للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والمرادُ بالتحليل والتحريم: فعلُ الحلال واجتنابُ الحرام كما ذُكر في هذا الحديث. وقد قال الله في حقِّ الكفار الذين كانوا يُغيرون تحريمَ الشُّهور الحُرُم: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ} [التوبة: ٣٧]، والمراد: أنَّهم كانوا يُقاتلون في الشهر الحرام عامًا، فيُحلونه بذلك، ويمتنعون من القتال فيه عامًا، فيحرِّمونَهُ بذلك.

وقال الله عزّ وجلّ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا} [المائدة: ٨٨ - ٨٩] وهذه الآية نزلت بسبب قوم امتنعوا من تناول بعض الطيبات زهدًا في الدنيا وتقشفًا، وبعضهم حرَّم ذلك عن نفسه، إمَّا بيمينٍ حَلَفَ بها، أو بتحريمه على نفسه، وذلك كُلُّه لا يوجبُ تحريمه في نفس الأمر، وبعضُهم امتنع منه من غير يمينٍ ولا تحريم، فسمَّى الجميع تحريمًا، حيث قصد الامتناعَ منه إضرارًا بالنفس، وكفأ لها عن شهواتها. ويقال في الأمثال: فلان لا يحلِّلُ ولا يحرِّمُ، إذا كان لا يمتنع من فعل حرام، ولا يقفُ عندَ ما أُبيح له، وإن كان يعتقد تحريمَ الحرام، فيجعلون من فَعَلَ الحرامَ ولا يتحاشى منه مُحلِّلًا له، وإن كان لا يعتقد حله.

وبكلِّ حالٍ، فهذا الحديثُ يدلُّ على أن من قام بالواجبات، وانتهى عن المحرَّمات، دخلَ الجنة، وقد تواترتِ الأحاديثُ عَنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بهذا المعنى، أو ما هو قريبٌ منه، كما خرَّجهُ النسائي، وابنُ حبان، والحاكم من حديث أبي هريرة وأبي سعيد عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما مِنْ عبدٍ يُصلِّي الصلواتِ الخمس،


= ٢/ ٢٦٦، ووافقه الذهبي. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ١/ ٢٧٢، وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم، ورواه عن ابن مسعود عبد الرزاق في "تفسيره" ومن طريقه الطبري (١٨٨٧)، وإسناده صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>