للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والمغفرة، وفي الحديث: "ليسأل أحدُكم ربَّه حاجته كلَّها حتى يسأله شِسعَ نعله إذا انقطع" (١).

وكان بعضُ السلف يسأل الله في صلاته كلَّ حوائجه حتَّى ملحَ عجينه وعلفَ شاته. وفي الإسرائيليات أن موسى عليه السلام قال: يا ربّ إنه لتَعْرِضُ لي الحاجةُ من الدنيا، فأستحي أن أسألك، قال: سلني حتى ملح عجينك وعلف حمارك. فإن كلَّ ما يحتاج العبد إليه إذا سأله من الله فقد أظهرَ حاجتَه فيه، وافتقاره إلى الله، وذلك يحبُّه الله، وكان بعضُ السلف يستحي من الله أن يسأله شيئًا من مصالح الدنيا، والاقتداءُ بالسُّنَّة أولى.

وقوله: "كُلُّكم ضالٌّ إلَّا مَنْ هديتُه" قد ظنَّ بعضُهم أنَّه معارض لِحديث عياض بن حمار، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: خلقتُ عبادي حنفاء" وفي رواية: "مسلمين فاجتالتهم الشياطين" (٢) وليس كذلك، فإنَّ الله خلق بني آدم، وفطرهم على قبول الإسلام، والميل إليه دونَ غيره، والتهيؤ لذلك، والاستعداد له بالقوَّة، لكن لا بدَّ للعبد من تعليم الإسلام بالفعل، فإنه قبل التعليم جاهلٌ لا يعلم شيئًا، كما قال عزَّ وجلَّ: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [النحل: ٧٨] وقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} [الضحى: ٧]، والمراد: وجدَك غيرَ عالمٍ بما علَّمك من الكتاب والحكمة، كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ} [الشورى: ٥٢] فالإنسان يولد مفطورًا على قبول الحق، فإنَّ هداه الله سبَّب له من يعلمه الهدى، فصار مهتديًا بالفعل بعد أن كان مهتديًا بالقوَّة، وإن خذله الله، قيَّض له من يعلمه ما يُغير فطرته كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "كلُّ مولودٍ يُولد على الفطرة،


(١) تقدم تخريجه ص ٤٢٩.
(٢) رواه أحمد ٤/ ١٦٢ و ٢٦٦، ومسلم (٢٨٦٥)، وصححه ابن حبان (٦٥٣) و (٦٥٤)، وانظر تمام تخريجه فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>