للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أين يقصِدُ، فرجع إلى باب الدار، فجعلَ يبكي ويقول: يا أماه من يَفْتَحُ لي الباب إذا أغلقت عني بابَك؟ ومن يُدنيني من نفسه إذا طردتيني؟ ومن الذي يدنيني بعد أن غضبتِ عليَّ؟ فرحمته أمُّه، فقامت فنظرت من خَلَلِ الباب، فوجدت ولدها تجري الدموعُ على خديه متمعِّكًا في التراب، ففتحت البابَ، وأخذته حتى وضعته في حجرها، وجعلت تُقبِّله، وتقول: يا قُرَّة عيني، ويا عزيز نفسي، أنتَ الذي حملتني على نفسك، وأنتَ الذي تعرضت لما حلَّ بك، لو كنتَ أطعتني لم تلقَ مني مكروهًا، فتواجد الفتى، ثم قام، فصاح، وقال: قد وجدتُ قلبي، قد وجدتُ قلبي.

وتفكروا في قوله: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: ١٣٥]، فإنَّ فيه إشارةً إلى أن المذنبين ليس لهم من يلجؤون إليه، ويُعوِّلون عليه في مغفرة ذنوبهم غيره، وكذلك قوله في حقِّ الثلاثة الذين خُلِّفوا: {حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة: ١١٨]، فرتَّب توبته عليهم على ظنِّهم أنْ لا ملجأ من الله إلا إليه، فإنَّ العبدَ إذا خاف من مخلوقٍ، هرب منه، وفرَّ إلى غيره، وأمَّا من خاف من الله، فما له منْ ملجأ يلجأُ إليه، ولا مهربٍ يهرُب إليه إلَّا هو، فيهرُب منه إليه، كما كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يقول في دعائه: "لا ملجأ، ولا مَنجَا منك إلَّا إليك" (١) وكان يقول: "أعوذُ برضاكَ مِنْ سَخَطِك، وبعفوك من عقوبتك، وبِكَ منكَ" (٢).


(١) رواه من حديث البراء بن عازب أحمد ٤/ ٢٨٥، والبخاري (٢٤٧)، ومسلم (٢٧١١)، وصححه ابن حبان (٥٥٢٧) و (٥٥٣٦) و (٥٥٤٢)، وانظر تمام تخريجه فيه.
(٢) رواه من حديث عائشة أحمد ٦/ ٥٨ و ٢٠١، ومسلم (٤٨٦)، وأبو داود (٨٧٩)، والنسائي ٢/ ١٠١، وصححه ابن حبان (١٩٣٢) و (١٩٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>