للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من الوجوه على أيِّ وجهٍ كان.

ومِنَ النَّاس مَنْ قال: إنَّ إيجاده لخلقِه على هذا الوجه الموجود أكملُ من إيجاده على غيره، وهو خيرٌ من وجوده على غيره، وما فيه من الشَّرِّ، فهو شرٌّ إضافيٌّ نسبيٌّ بالنسبة إلى بعض الأشياء دونَ بعض، وليس شرًا مطلقًا، بحيث يكونُ عدمُه خيرًا من وجوده من كلِّ وجه، بل وجودُه خيرٌ من عدمه، قال: وهذا معنى قوله: "بيده الخيرُ" ومعنى قول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "والشر ليس إليك" يعني: أن الشَّرَّ المحضَ الذي عدمه خيرٌ من وجوده ليس موجودًا في ملككَ، فإنَّ الله تعالى أوجد خلقه على ما تقتضيه حكمته وعدله، وخصَّ قومًا من خلقه بالفضل، وترك آخرينَ منهم في العدل، لما له في ذلك من الحكمة البالغة.

وهذا فيه نظرٌ، وهو يُخالِفُ ما في هذا الحديث مِنْ أن جميعَ الخلق لو كانوا على صفةِ أكمل خلقه من البرِّ والتقوى، لم يزد ذلك ملكه شيئًا، ولا قدر جناح بعوضة، ولو كانوا على صفة أنقصِ خلقه من الفجور، لم ينقص ذلك من ملكه شيئًا، فدلَّ على أن ملكه كاملٌ على أيِّ وجهٍ كان لا يزداد ولا يكمل بالطاعات، ولا يَنقُصُ بالمعاصي، ولا يؤثِّرُ فيه شيء.

وفي هذا الكلام دليلٌ على أن الأصل في التَّقوى والفجور هو القلبُ، فإذا برَّ القلبُ واتَّقى برَّت الجوارحُ، وإذا فجر القلب، فجرت الجوارحُ، كما قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "التقوى هاهنا"، وأشار إلى صدره (١).

قوله: "يا عبادي، لو أنَّ أوَّلكم وآخركم وإنسَكُم وجنَّكم قاموا في صعيدٍ واحدٍ، فسألوني، فأعطيتُ كلَّ إنسانٍ مسألته، ما نقصَ ذلك ممَّا عندي إلَّا كما ينقصُ المِخْيَطُ إذا أُدخِلَ البحرَ" المرادُ بهذا ذكرُ كمال قدرته سبحانه، وكمال


(١) رواه من حديث أبي هريرة أحمد ٢/ ٢٧٧، ومسلم (٢٥٦٤)، والترمذي (١٩٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>