للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهذا إشارةٌ إلى أن عمرَ لم يمت حتَّى وضع الأمورَ مواضعها، واستقامت الأمورُ، وذلك لِطول مدَّته، وتفرُّغه للحوادث، واهتمامه بها، بخلاف مدَّةِ أبي بكر فإنها كانت قصيرةً، وكان مشغولًا فيها بالفُتوح، وبعث البُعوث للقتال، فلم يتفرَّع لكثيرٍ من الحوادث، وربما كان يقع في زمنه ما لا يبلُغه، ولا يُرفَعُ إليه، حتَّى رفعت تلك الحوادثُ إلى عمرَ، فردَّ الناس فيها إلى الحقِّ وحملهم على الصَّواب.

وأمَّا ما لم يجمع عمرُ النَّاسَ عليه، بل كان له فيه رأيٌ، وهو يسوِّغ لغيره أن يرى رأيًا يُخالف رأيه، كمسائل الجَدِّ مع الإخوة، ومسألة طلاق البتة، فلا يكونُ قولُ عمر فيه حجَّةً على غيره مِنَ الصَّحابة والله أعلم.

وإنَّما وصف الخلفاء بالراشدين، لأنَّهم عرفوا الحقِّ، وقَضَوا به، فالراشدُ ضدُّ الغاوي، والغاوي مَنْ عَرَفَ الحقَّ، وعمل بخلافه.

وفي رواية: "المهديين" يعني: أن الله يهديهم للحقِّ، ولا يُضِلُّهم عنه، فالأقسام ثلاثة: راشدٌ وغاوٍ وضالٌ، فالراشدُ عرف الحقَّ واتَّبعه، والغاوي: عرفه ولم يتَّبعه، والضالُّ: لم يعرفه بالكليَّة، فكل راشدٍ، فهو مهتد، وكل مهتدٍ هدايةً تامَّةً، فهو راشد، لأنَّ الهدايةَ إنَّما تتمُّ بمعرفة الحقِّ والعمل به أيضًا.

وقوله: "عَضُّوا عليها بالنواجذ" كناية عن شدَّةِ التَّمسُّك بها، والنواجذ: الأضراس.


= والازدياد الذي بلغه عمر في طول مدته. والغرب: دلو السانية، وهي أكبر من الذنوب.
والعبقري: يوصف به كل شيء بلغ النهاية في معناه، والعطن: مناخ الإبل إذا صدرت عن الماء رواء، وقوله: "حتى ضرب الناس بعطن" معناه: حتى رووا، ورووا إبلهم، فأبركوها، وضربوا لها عطنًا، ضرب مثلًا لاتساع الناس في زمن عمر وما فتح الله عليهم من الأمصار.

<<  <  ج: ص:  >  >>