للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد رُوي عن ابن عمر من قوله نحو هذا.

فقوله - صلى الله عليه وسلم -: "كلُّ بدعة ضلالة" من جوامع الكلم لا يخرج عنه شيءٌ، وهو أصل عظيمٌ من أصول الذين، وهو شبيهٌ بقوله: "مَنْ أحْدَثَ في أمْرنا ما لَيسَ مِنهُ فَهو رَدٌّ" (١)، فكل من أحدث شيئًا، ونسبه إلى الدِّين، ولم يكن له أصلٌ من الذين يرجع إليه، فهو ضلالةٌ، والدِّينُ بريءٌ منه، وسواءٌ في ذلك مسائلُ الاعتقادات، أو الأعمال، أو الأقوال الظاهرة والباطنة.

وأما ما وقع في كلام السَّلف مِنَ استحسان بعض البدع، فإنَّما ذلك في البدع اللُّغوية، لا الشرعية، فمِنْ ذلك قولُ عمر رضي الله عنه لما جمعَ الناسَ في قيام رمضان على إمامٍ واحدٍ في المسجد، وخرج ورآهم يصلُّون كذلك فقال: نَعمت البدعةُ هذه. وروي عنه أنه قال: إن كانت هذه بدعة، فنعمت البدعة (٢). وروي أن أبيَّ بن كعب، قال له: إنَّ هذا لم يكن، فقال عمرُ: قد علمتُ، ولكنه حسن. ومرادُه أن هذا الفعلَ لم يكن على هذا الوجه قبلَ هذا الوقت، ولكن له أصول من الشريعة يُرجع إليها، فمنها أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يحُثُّ على قيام رمضان، ويُرَغِّبُ فيه، وكان الناس في زمنه يقومون في المسجد جماعاتٍ متفرقةً ووحدانًا، وهو - صلى الله عليه وسلم - صلَّى بأصحابه في رمضانَ غيرَ ليلةٍ، ثم امتنع مِنْ ذلك معلِّلًا بأنَّه خشي أن يُكتب عليهم، فيعجزوا عن القيام به، وهذا قد أُمِنَ بعده - صلى الله عليه وسلم - (٣). ورُوِيَ عنه أنه كان يقومُ بأصحابه ليالي الأفراد في العشر الأواخر (٤).


(١) تقدم تخريجه، وهو الحديث الخامس.
(٢) رواه مالك في "الموطأ" ١/ ١١٤، والبخاري (٢٠١٠).
(٣) رواه البخاري (٢٠١٢) من حديث عائشة.
(٤) رواه من حديث أبي ذر أبو داود (١٣٧٥)، والترمذي (٨٠٦)، والنسائي ٣/ ٢٠٢، وهو حديث حسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>