ويُشْكِلُ على هذا أن أحمد قال في رواية الميموني في برِّ الوالدين: ليس بفرضٍ، ولكن أقولُ: واجب ما لم يكن معصية، وبر الوالدين مجمَعٌ على وجوبه، وقد كثُرتِ الأوامرُ به في الكتاب والسُّنَّة، فظاهرُ هذا أنَّه لا يقول: فرضًا إلَّا ما ورد في الكتاب والسنة تسميته فرضًا.
وقدِ اختلفَ السَّلفُ في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر: هل يُسمَّى فريضةً أم لا؟ فقال جويبر عن الضحاك: هما مِنْ فرائض الله عزَّ وجلَّ، وكذا رُوي عَنْ مالك.
وروى عبدُ الواحد بن زيد، عن الحسن؛ قال: ليسَ بفريضةٍ، كان فريضةً على بني إسرائيل، فرحم الله هذه الأمة لِضعفهم، فجعله عليهم نافلة.
وكتب عبدُ الله بن شبرمة إلى عمرو بن عُبيد أبياتًا مشهورةً أولها:
الأمْرُ بالمعروفِ يا عمرو نافِلَةٌ … والقَائِمونَ بِه للهِ أَنْصارُ
واختلف كلامُ أحمد فيه: هل يُسمَّى واجبًا أم لا؟ فروى عنه جماعةٌ ما يدلُّ على وجوبه، وروى عنه أبو داود في الرجل يرى الطُّنبورَ ونحوَه: أواجبٌ عليه تغييره؟ قال: ما أدري ما واجب إن غيَّر، فهو فضل.
وقال إسحاق بن راهويه: هو واجبٌ على كل مسلم، إلَّا أن يخشى على نفسه، ولعل أحمد يتوقَّفُ في إطلاق الواجب على ما ليس بواجبٍ على الأعيان، بل على الكفاية.
وقد اختلف العلماءُ في الجهاد: هل هو واجبٌ أم لا؟ فأنكر جماعةٌ منهم وجوبَه، منهم: عطاء، وعمرو بنُ دينار، وابنُ شبرمة، ولعلَّهم أرادوا هذا المعنى، وقالت طائفة: هو واجبٌ، منهم: سعيدُ بن المسيّب، ومكحولٌ، ولعلَّهما أرادا وجوبَه على الكفاية.