المتنطعون"، قالها ثلاثًا. خرَّجه مسلم (١) من حديث ابن مسعود مرفوعًا، والمتنطع: هو المتعمِّقُ البحَّاث عمَّا لا يعنيه، وهذا قد يتمسَّكُ به من يتعلَّقُ بظاهرِ اللَّفظ، وينفي المعاني والقياس كالظاهرية.
والتَّحقيق في هذا المقام - والله أعلم - أنَّ البحثَ عمَّا لم يُوجَدْ فيه نصٌّ خاصٌّ أو عامٌّ على قسمين:
أحدهما: أن يبحث عن دخوله في دلالات النُّصوص الصَّحيحة من الفحوى والمفهوم والقياس الظاهر الصَّحيح، فهذا حقٌّ، وهو ممَّا يتعيَّنُ فعلُه على المجتهدين في معرفة الأحكام الشرعية.
والثاني: أن يدقِّق النَّاظِر نظرَه وفكرَه في وُجوهِ الفُروق المستبعدةِ، فيفرِّق بين متماثلين بمجرَّد فرقٍ لا يظهر له أثرٌ في الشَّرع، مع وجود الأوصاف المقتضية للجمعِ، أو يجمع بين متفرِّقين بمجرَّد الأوصاف الطرديَّة التي هي غيرُ مناسبة، ولا يدلُّ دليلٌ على تأثيرها في الشَّرع، فهذا النَّظر والبحثُ غيرُ مرضيٍّ ولا محمودٍ، مع أنَّه قد وقع فيه طوائفُ مِنَ الفُقهاءِ، وإنَّما المحمودُ النَّظرُ الموافقُ لنظرِ الصَّحابةِ ومَنْ بعدهُم مِنَ القُرونِ المفضَّلةِ كابنِ عبَّاسٍ ونحوه، ولعلَّ هذا مرادُ ابن مسعود بقوله: إيَّاكم والتنطُّع، إيَّاكم والتعمُّق، وعليكم بالعتيق، يعني بما كان عليه الصَّحابةُ - رضي الله عنهم -.
ومن كلام بعض أئمة الشافعية: لا يليقُ بنا أن نكتفيَ بالخيالات في الفروق، كدأبِ أصحاب الرأي، والسر في تلك أنَّ متعلَّق الأحكام في الحال الظُّنونُ وغلباتُها، فإذا كان اجتماعُ مسألتين أظهرَ في الظنِّ مِن افتراقهما، وجب القضاءُ باجتماعهما، وإنِ انقدحَ فرقٌ على بعد، فافهموا ذلك فإنه من قواعد الدين. انتهى.