للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

نعيم الدُّنيا ورخائها كما يذودُ الرَّاعي الشفيقُ إبِلَه عن مبارك العُرَّةِ (١)، وما ذلك لهوانهم عليَّ، ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالمًا موفرًا لم تَكْلَمْه الدنيا

ويشهد لهذا ما خرَّجه الترمذي عن قتادة بن النُّعمان، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: "إنَّ الله إذا أحبَّ عبدًا حماه عَنِ الدُّنيا، كما يَظَلُّ أحدُكُمْ يحمي سقيمَه الماءَ"، وخرَّجه الحاكم، ولفظه: "إنَّ الله ليحمي عبدَه الدُّنيا وهو يحبُّه، كما تحمُونَ مريضَكم الطَّعامَ والشراب، تخافون عليه" (٢).

وفي "صحيح مسلم" (٣) عن عبد الله بن عمرو عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: "الدُّنيا سجنُ المؤمن، وجنَّة الكافر".

وأمَّا السَّابقُ بالخيرات بإذن الله، فهمُ الَّذينَ فهِمُوا المرادَ مِنَ الدُّنيا، وعَمِلُوا بمقتضى ذلك، فعلموا أنَّ الله إنَّما أسكنَ عبادَه في هذه الدَّارِ، ليبلوهم أيُّهم أحسنُ عملا؟ كما قال: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود: ٧]، وقال: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: ٢].

قال بعض السلف: أيهم أزهد في الدُّنيا، وأرغبُ في الآخرة، وجعل ما في الدُّنيا مِنَ البهجة والنُّضرة مِحنَةً، لينظر من يقف منهم معه، ويَركَنَ إليه، ومن ليس كذلك، كما قال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ


(١) العُرَّة: هي ذرق الطير وعذرة الناس والبعر والسِّرجين.
(٢) صحيح، رواه الترمذي (٢٠٣٦) وحسنه، وصححه ابن حبان (٦٦٩) وانظر تمام تخريجه فيه.
(٣) هذا سبق قلم من المصنف رحمه الله، فإن مسلمًا رواه (٢٩٥٦) من حديث أبي هريرة، وهو في "المسند" ٢/ ٣٢٣ و ٤٨٥، وابن ماجه (٤١١٣)، وصححه ابن حبان (٦٨٧) و (٦٨٨). وحديث عبد الله بن عمرو وهو في "المسند" ٢/ ١٩٧، و"حلية" أبي نعيم ٨/ ١٧٧ و ١٨٥، و"مستدرك" الحاكم ٤/ ٣١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>