وخرَّح مسلمٌ (١) من حديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه: سمعتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقول:"إنَّ أوَّلَ النَّاسِ يُقضى يومَ القيامةِ عليه رجلٌ استُشهِدَ، فأُتِي به، فعرَّفه نِعَمَهُ، فعرفها، قال: فما عَمِلتَ فيها؟ قال: قاتلتُ فيكَ حتَّى استُشْهِدتُ، قال: كذبتَ، ولكنَّكَ قاتلتَ، لأنْ يُقالَ: جَريءٌ، فقد قيل، ثمَّ أُمِرَ به، فسُحِبَ على وجهه، حتى أُلقي في النَّارِ، ورجلٌ تعلَّمَ العلمَ وعلَّمه، وقرأَ القُرآن، فأُتِي به، فعرَّفه نِعَمَهُ فعرَفها، قال: فما عملتَ فيها؟ قال: تعلَّمتُ العِلمَ وعلَّمتُه، وقرأتُ فيكَ القرآنَ. قال: كذبتَ، ولكنَّكَ تعلَّمت العلمَ، ليُقالَ: عالمٌ، وقرأتَ القرآنَ ليقال: هو قارئٌ، فقد قيلَ، ثمَّ أُمِر به، فسُحِب على وجهه حتَّى أُلقي في النَّار، ورجلٌ وسَّع الله عليه، وأعطاه من أصنافِ المال كلِّه، فأُتِي به، فعرَّفه نِعَمَهُ، فعرفها، قال: فما عَمِلتَ فيها؟ قال: ما تركتُ من سبيلٍ تُحبُّ أن يُنفقَ فيها إلَّا أنفقتُ فيها لكَ. قال: كذبتَ، ولكنَّكَ فعلتَ، ليُقالَ: هو جوادٌ، فقد قيلَ، ثمَّ أمِر به، فسُحب على وجهه، حتَّى أُلقي في النار".
وفي الحديث: إنَّ معاويةَ لمَّا بلغه هذا الحديثُ، بكى حتَّى غُشِي عليه، فلمَّا أفاق، قال: صدَقَ الله ورسولُه، قال الله عزَّ وجلَّ: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (١٥) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ} [هود: ١٥ - ١٦].
وقد وردَ الوعيدُ على تعلُّم العِلم لغيرِ وجه الله، كما خرجه الإمامُ أحمدُ وأبو داود وابنُ ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ تعلَّم عِلمًا مِمَّا يُبتَغى به وجهُ الله، لا يتعلَّمُه إلَّا لِيُصِيبَ به عرَضًا من الدُّنيا، لم
(١) برقم (١٩٠٥)، ورواه أيضًا أحمد ٢/ ٣٢٢، والنّسائي ٦/ ٢٣ بهذا اللفظ. ورواه بلفظ آخر - وفيه قصة معاوية - الترمذي (٢٣٨٢) وحسّنه، وصححه ابن حبان (٤٠٨).