والأوَّلون منهم من حمل العذابَ على الحبس، وقالوا: إن لم تلاعِن، حُبِست حتى تُقرَّ أو تُلاعِن، وفيه نظر.
ولو ادَّعت امرأةٌ على رجل أنَّه استكرهها على الزِّنى، فالجمهورُ أنَّه لا يثبتُ بدعواها عليه شيء. وقال أشهب من المالكية: لها الصداقُ بيمينها، وقال غيرُه منهم: لها الصَّداقُ بغيرِ يمين، هذا كلُّه إذا كانت ذاتَ قدر، وادَّعت ذلك على متَّهم تليقُ به الدَّعوى، وإن كان المرميُّ بذلك مِنْ أهلِ الصَّلاح، ففي حدِّها للقذف عن مالك روايتان.
وقد كان شُريح وإياس بن معاوية يحكمان في الأموال المتنازع فيها بمجرَّد القرائن الدَّالَّةِ على صدق أحد المتداعيين، وقضى شُريحٌ في أولاد هرَّةٍ تداعاها امرأتان، كلٌّ منهما تقولُ هي ولد هِرَّتي، قال شُريح: ألقِها مع هذه، فإن هي قرَّت ودرَّت واسبطرَّتْ فهي لها، وإن هي فرت وهرَّت وازبأرت، فليس لها. قال ابن قتيبة (١): قوله: اسبطرّت، يريد: امتدَّت للإِرضاع، وازبأرت: اقشعرَّت وتنفَّشت. وكان يقضي بنحو ذلك أبو بكر الشامي من الشَّافعية، ورجح قولَه ابنُ عقيل مِنْ أصحابنا.
وقد رُوي عن الشافعي وأحمد استحسان قولِ القافة في سرقة الأموال، والأخذ بذلك، ونقل ابنُ منصور عن أحمد: إذا قال صاحبُ الزَّرع: أفسدت غنمُك زرعي باللَّيل، يُنظَرُ في الأثر، فإن لم يكن أثرُ غنمِه في الزَّرع، لا بدَّ لصاحب الزَّرع من أن يجيء بالبيِّنَةِ. قال إسحاق بن راهويه كما قال أحمد لأنه مدَّع، وهذا يدلُّ على اتِّفاقهما على الاكتفاء برؤية أثرِ الغنم، وأنَّ البيِّنَةَ إنَّما تُطلب عندَ عدم الأثر.
وقوله:"واليمين على المُدَّعى عليه" يدلُّ على أنَّ كلَّ مَنِ ادَّعى عليه