للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ومن بطَّأ به عملُه، لم يُسرِعْ بهِ نسبه": معناه أنَّ العملَ هو الذي يبلُغ بالعبدِ درجاتِ الآخرة، كما قال تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} [الأنعام: ١٣٢]، فمن أبطأ به عمله أن يبلُغَ به المنازلَ العالية عند الله تعالى، لم يُسرِعْ به نسبه، فيبلغه تلكَ الدَّرجاتِ، فإن الله تعالى رتَّبَ الجزاءَ على الأعمال، لا على الأنساب، كما قال تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون: ١٠١]، وقد أمر الله تعالى بالمسارعة إلى مغفرته ورحمته بالأعمال، كما قال: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} [آل عمران: ١٣٣، ١٣٤] الآيتين، وقال: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (٥٨) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (٥٩) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (٦٠) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: ٥٧ - ٦١].

قال ابن مسعود: يأمر الله بالصراط، فيضرب على جهنم، فيمرُّ النَّاسُ على قدر أعمالهم زُمَرًا زُمرًا، أوائلُهم كلمح البرقِ، ثمَّ كمرِّ الرِّيحِ، ثمَّ كمرِّ الطَّير، ثمَّ كمرِّ البهائمِ، حتَّى يمرَّ الرَّجُلُ سعيًا، وحتَّى يمرَّ الرَّجلُ مشيًا، حتَّى يمرَّ آخرهُم يتلبَّط على بطنِه، فيقول: يا ربِّ، لم بطَّأْتَ بي؟ فيقول: إنِّي لم أبطِّئ بك، إنَّما بطَّأ بكَ عملُك (١).

وفي "الصحيحين" عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أُنزِلَ عليه: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: ٢١٤]: "يا معشر قريش، اشترُوا أنفسَكم من اللهِ، لا أُغني عنكم من اللهِ شيئًا، يا بني عبد المطلب، لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا عباس بن عبد المطلب، لا أُغني عنك من الله شيئًا، يا


(١) حسن، روي مرفوعًا وموقوفًا، وهو مخرج في "الدر المنثور" ٤/ ٢٨١، وفي "شرح الطحاوية" لابن أبي العز ٢/ ٦٠٦، طبع مؤسسة الرسالة.

<<  <  ج: ص:  >  >>