للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وقد تقدَّم عنِ الشَّافعيِّ أنَّه قال في هذا الحديث: إنَّه يدخلُ في سبعينَ بابًا من الفقهِ، والله أعلمُ.

والنِّيَّةُ: هي قصدُ القلب، ولا يجبُ التَّلفُّظ بما في القَلب في شيءٍ مِنَ العباداتِ، وخرَّج بعضُ أصحاب الشَّافعيِّ له قولًا باشتراطِ التَّلفُّظ بالنِّيَّةِ للصلاةِ، وغلَّطه المحقِّقون منهم، واختلفَ المتأخِّرون من الفُقهاء في التَّلفُّظ بالنِّيَّة في الصَّلاة وغيرها، فمنهم مَن استحبَّه، ومنهم مَنْ كرهه.

ولا يُعلمُ في هذه المسائل نقلٌ خاصٌّ عن السَّلفِ، ولا عن الأئمَّةِ إلَّا في الحَجِّ وحدَهُ، فإنَّ مُجاهدًا قال: إذا أراد الحجَّ، يُسمِّي ما يُهلُّ به، ورُوي عنه أنَّه قال: يسمِّيه في التَّلبيةِ، وهذا ليس مِمَّا نحنُ فيه، فإنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يذكرُ نُسُكَه في تلبيته، فيقول: "لَبَّيكَ عُمْرةً وحَجًّا" (١)، وإنَّما كلامُنا في أنَّه يقولُ عندَ إرادةِ عقدِ الإِحرام: اللَّهُمَّ إنِّي أُريدُ الحجَّ أو العمرةَ، كما استَحَبَّ ذلك كثيرٌ من الفُقهاءِ، وكلامُ مجاهدٍ ليس صريحًا في ذلك. وقال أكثر السَّلفِ، منهم عطاءٌ وطاووسٌ والقاسمُ بنُ محمَّدٍ والنَّخعيُّ: تجزئه النِّيَّةُ عندَ الإِهلالِ. وصحَّ عَنِ ابن عمرَ أنَّه سمعَ رجُلًا عندَ إحرامِهِ يقولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أريدُ الحجَّ أو العمرةَ، فقال لهَ: أتعلمُ النَّاس؟ أوليسَ الله يعلمُ ما في نَفسكَ؟.

ونصَّ مالكٌ على مِثلِ هذا، وأنَّه لا يستحبُّ له أنْ يُسمِّيَ ما أحرمَ به. حكاه صاحب كتاب "تهذيب المدوَّنة" مِنْ أصحابه. وقال أبو داود (٢): قلتُ لأحمدَ: أتقولُ قبلَ التَّكبير - يعني في الصَّلاة - شيئًا؟ قال: لا. وهذا قد يدخُلُ فيه أنَّه لا يتلفَّظُ بالنِّيَّةِ. والله أعلم.


(١) رواه مسلم (١٢٣٢)، والنّسائي ٥/ ١٥٠ من حديث أنسٍ، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لبَّيك حجّة وعمرة".
(٢) في "مسائل الإمام أحمد" له ص ٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>