للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وزاد فيه: "ولو سأل الله شيئًا من الدنيا ما أعطاه الله تكرمةً له".

وقوله: "وما ترددتُ عن شيءٍ أنا فاعلُه تردُّدي عن قبضِ نفس عبدي المؤمن: يكرهُ الموتَ، وأكره مساءَته". المرادُ بهذا أن الله تعالى قضى على عباده بالموت، كما قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: ١٨٥]، والموتُ: هو مفارقةُ الروح للجسد، ولا يحصلُ ذلك إلا بألمٍ عظيمٍ جدًا، وهو أعظمُ الآلام التي تُصيب العبد في الدُّنيا، قال عمر لِكعبٍ: أخبرني عن الموت، قال: يا أميرَ المؤمنين، هو مثلُ شجرةٍ كثيرةِ الشَّوك في جوف ابنِ آدم، فليس منه عِرقٌ ولا مَفْصِل إلا ورجل شديد الذراعين، فهو يعالجها ينزعها، فبكى عمر (١).

ولما احتضر عمرو بنُ العاص سأله ابنُه عن صفة الموت، فقال: والله لكأنَّ جنبيَّ في تخت، ولكأنِّي أتنفَّسُ من سمِّ إبرة، وكأن غُصنَ شوكٍ يُجَرُّ به من قدمي إلى هامتي (٢).

وقيل لرجل عندَ الموت: كيف تجدُك؟ فقال: أجدني أُجتذب اجتذابًا، وكأنَّ الخناجرَ مختلفة في جوفي، وكأنَّ جوفي تنُّور محمًّى يلتهِبُ توقدًا.

وقيل لآخر: كيف تَجِدُكَ؟ قال: أجدني كأن السماوات منطبقةٌ على الأرض عليَّ، وأجد نفسي كأنها تخرجُ من ثقب إبرة.

فلما كان الموت بهذه الشِّدَّةِ، والله تعالى قد حتمه على عباده كلَّهم، ولا بدَّ لهم منه، وهو تعالى يكرهُ أذى المؤمن ومساءَته، سمَّى ذلك تردُّدًا في حقِّ


= محمد بن إبراهيم العسَّال، وهو ثقة، إلا أن سالم بن أبي الجعد لم يسمع من ثوبان فيما قاله أحمد والبخاري وأبو حاتم.
(١) "الحلية" ٥/ ٣٦٥.
(٢) "طبقات ابن سعد" ٤/ ٢٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>