للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

واتفق العلماءُ على أنَّه لو أُكرِه على قتل معصومٍ لم يُبَحْ له أن يقتُله، فإنَّه إنَّما يقتُله باختياره افتداءً لنفسه من القتل، هذا إجماعٌ مِنَ العلماء المعتدِّ بهم، وكان في زمن الإِمام أحمد يُخالِف فيه مَنْ لا يُعتدُّ به، فإذا قتله في هذه الحال، فالجمهور على أنَّهما يشتركان في وجوب القَوَدِ: المكرِه والمكرَه؟ لاشتراكهما في القتل، وهو قول مالك والشافعي في المشهور وأحمد، وقيل: يجب على المكرِه وحده، لأنَّ المكرَه صارَ كالآلة، وهو قولُ أبي حنيفة وأحدُ قولي الشَّافعيِّ، ورُوي عن زفرَ كالأوَّل، ورُوي عنه أنَّه يجبُ على المكرَه لمباشرته، وليس هو كالآلة، لأنَّه آثمٌ بالاتِّفاق، وقال أبو يوسف: لا قَودَ على واحدٍ منهما، وخرَّجه بعضُ أصحابنا وجهًا لنا من الرواية لا توجب فيها قتل الجماعة بالواحد، وأولى.

ولو أكره بالضَّرب ونحوه على إتلاف مالِ الغير المعصوم، فهل يُباحُ له ذلك؟ فيه وجهان لأصحابنا. فإن قلنا: يُباحُ له ذلك، فضمنه المالك، رجع بما ضمنه على المكره، وإن قلنا: لا يُباح له ذلك، فالضمانُ عليهما معًا كالقود. وقيل: على المكره المباشر وحدَه وهو ضعيف.

ولو أُكره على شرب الخمر أو غيره من الأفعال المحرّمة، ففي إباحته بالإِكراه قولان:

أحدُهما: يُباحُ له ذلك استدلالًا بقوله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: ٣٣]، وهذه نزلت في عبد الله بن أبيِّ بن سلول، كانت له أمتانِ يُكرههما على الزنى، وهما يأبيان ذلك (١)، وهذا قول الجمهور كالشافعي، وأبي حنيفة، وهو المشهورُ عن أحمد، ورُوي نحوه عن الحسن، ومكحولٍ، ومسروقٍ، وعن عمر بن الخطاب ما يدلُّ عليه.


(١) رواه مسلم (٣٠٢٩) من حديث جابر.

<<  <  ج: ص:  >  >>