للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فضلًا، وأن يكره ما كرهه الله تعالى كراهةً توجِبُ له الكفَّ عمَّا حرَّم عليه منه، فإن زادت الكراهةُ حتى أوجبت الكفَّ عما كرهه تنزيهًا، كان ذلك فضلًا. وقد ثبت في "الصحيحين" عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا يؤمن أحدُكُم حتَّى أكونَ أحبَّ إليه من نفسه وولده وأهله والنَّاس أجمعين" (١) فلا يكون المؤمن مؤمنًا حتى يُقدم محبة الرسول على محبة جميع الخلق، ومحبة الرسول تابعة لمحبة مرسله.

والمحبة الصحيحةُ تقتضي المتابعَة والموافقةَ في حبِّ المحبوبات وبغضِ المكروهات، قال عز وجل: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [التوبة: ٢٤].

وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران: ٣١] قال الحسن: قال أصحابُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: يا رسولَ الله، إنَّا نحبُّ ربنا حبًا شديدًا، فأحبَّ اللهُ أن يجعل لحبِّه علمًا، فأنزل الله هذه الآية (٢).

وفي "الصحيحين" عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: "ثلاثٌ من كُنَّ فيه وجدَ حلاوةَ الإِيمان: أن يكونَ الله ورسولُه أحبَّ إليه ممَّا سواهُما، وأن يُحبَّ المرءَ لا يُحبُّه إلا لله، وأن يكره أن يَرجِعَ إلى الكُفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يُلقى في النار" (٣).

فمن أحبَّ الله ورسوله محبةً صادقة من قلبه، أوجب له ذلك أن يُحبَّ بقلبه


(١) تقدم تخريجه ص ٦٩.
(٢) رواه الطبري في "جامع البيان" (٦٨٤٥) و (٦٨٤٦)، وهو مرسل.
(٣) تقدم تخريجه ص ٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>