أن المشتري لا يشتريه إلَّا للمنفعة المحرمة منه، لم يجز بيعُه له عندَ الإمام أحمد وغيره من العلماء، كما لا يجوزُ عندهم بيعُ العصير ممن يتخذه خمرًا، ولا بيعُ السِّلاح في الفتنة، ولا بيع الرَّياحين والأقداح لمن يعلم أنه يشربُ عليها الخمر، أو الغلام لمن يعلم منه الفاحشة.
القسم الثاني: ما ينتفع به مع إتلافِ عينه، فإذا كان المقصود الأعظم منه محرمًا، فإنَّه يحرم بيعُه، كما يحرمُ بيعُ الخنزير والخمر والميتة، مع أن في بعضها منافع غيرَ محرمة، كأكل الميتة للمضطرِّ، ودفع الغصَّة بالخمر، وإطفاءِ الحريق به، والخرْز بشعر الخنزير عند قوم، والانتفاع بشعره وجلده عند من يرى ذلك، ولكن لمَّا كانت هذه المنافعُ غيرَ مقصودة، لم يعبأ بها، وحرم البيعُ بكون (١) المقصودِ الأعظم من الخنزير والميتة أكلَهما، ومن الخمر شربَها، ولم يلتفت إلى ما عدا ذلك، وقد أشار - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا المعنى لمَّا قيل له: أرأيتَ شحومَ الميتةِ، فإنه يُطلى بها السُّفُن، ويُدهن بها الجُلودُ، ويَستصبِحُ بها الناسُ، فقال:"لا، هو حرام".
وقد اختلفَ الناسُ في تأويلِ قوله - صلى الله عليه وسلم -: "هو حرامٌ"، فقالت طائفة: أراد أنَّ هذا الانتفاعَ المذكور بشحوم الميتة حرام، وحينئذٍ فيكونُ ذلك تأكيدًا للمنع من بيع الميتة، حيث لم يجعل شيئًا من الانتفاع بها مباحًا.
وقالت طائفة: بل أرادَ أنَّ بيعها حرامٌ، وإن كان قد ينتفع بها بهذه الوجوه، لكن المقصود الأعظم من الشحوم هو الأكل، فلا يُباحُ بيعُها لذلك.
وقد اختلفَ العلماءُ في الانتفاع بشحوم الميتة، فرخَّص فيه عطاءٌ، وكذلك نقل ابنُ منصورٍ عن أحمد وإسحاق، إلَّا أن إسحاقَ قال: إذا احتيجَ إليه، وأمَّا إذا وُجِدَ عنه مندوحةٌ، فلا، وقال أحمد: يجوزُ إذا لم يمسه بيده،