الوجود والحاجة إليها داعية، فهي من مرافِق الناسِ التي لا ضررَ عليهم في بذل فضلها، فالشُّحُّ بذلك مِنْ أقبحِ الأخلاق الذميمة، فلذلك زجر عن أخذ ثمنها.
وأما بقية الحيوانات التي لا تُؤكل، فما لا نفع فيه كالحشرات ونحوها لا يجوزُ بيعُه، وما يُذكر من نفع في بعضها، فهو قليلٌ، فلا يكون مبيحًا للبيع، كما لم يبح النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بيعَ الميتة لما ذكر له ما فيها من الانتفاع، ولهذا كان الصحيحُ أنه لا يُباحُ بيعُ العلق لِمَصِّ الدم، ولا الدِّيدان للاصطياد ونحو ذلك.
وأما ما فيه نفعٌ للاصطياد منها، كالفهد والبازيِّ والصَّقر، فحكى أكثرُ الأصحاب في جواز بيعها روايتين عن أحمد، ومنهم من أجازَ بيعَها، وذكر الإجماعَ عليه، وتأوَّل رواية الكراهة كالقاضي أبي يعلى في "المجرد"(١)، ومنهم من قال: لا يجوزُ بيع الفهد والنّسر، وحكى فيه وجهًا آخر بالجواز، وأجاز بيع البُزاة والصُّقور، ولم يحكِ فيه خلافًا، وهو قولُ ابن أبي موسى.
وأجاز بيع الصقر والبازي والعُقاب ونحوه أكثرُ العلماء، منهم: الثوري، والأوزاعي، والشافعي، وإسحاق، والمنصوص عن أحمد في أكثر الروايات عنه جوازُ بيعها، وتوقف في رواية عنه في جوازه إذا لم تكن معلَّمة، قال الخلَّال: العمل على ما رواه الجماعة أنَّه يجوزُ بيعُها بكلِّ حالٍ.
وجعل بعضُ أصحابنا الفيلَ حكمه حكم الفهد ونحوه، وفيه نظر، والمنصوص عن أحمد في رواية حنبل أنه لا يحِلُّ بيعه ولا شراؤه، وجعله كالسَّبُح، وحُكي عن الحسن أنه قال: لا يُركب ظهره، وقال: هو مسخ، وهذا كلُّه يدلُّ على أنَّه لا منفعةَ فيه.
ولا يجوزُ بيعُ الدُّبِّ، قاله القاضي في "المجرد"، وقال ابن أبي موسى: لا يجوزُ بيعُ القردِ، قال ابن عبد البر: لا أعلمُ في ذلك خلافًا بين العلماء، وقال
(١) هو "المجرد" في الأصول انظر "كشف الظنون" ٢/ ١٥٩٣.