للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ينادي: لا يقرب الصَّلاةَ سكران (١)، ثم إن الله حرَّمها على الإطلاق بقوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: ٩٠، ٩١].

فذكر سبحانه علَّة تحريم الخمر والميسر، وهو القمار، وهو أنَّ الشيطان يُوقِعُ بهما العداوةَ والبغضاء، فإنَّ مَنْ سَكِرَ، اختلَّ عقلُه، فربما تَسَلَّط على أذى الناسِ في أنفسهم وأموالهم، وربما بَلَغَ إلى القتل، وهي أمُّ الخبائث، فمن شَربها، قتلَ النفس وزنى، وربما كفر. وقد روي هذا المعنى عن عثمان وغيره، وروي مرفوعًا أيضًا (٢).

ومن قامر، فربما قُهرَ، وأُخذ ماله منه قهرًا، فلم يبق له شيء، فيشتدُّ حِقدُه على من أخذ ماله. وكلُّ ما أدى إلى إيقاع العداوة والبغضاء كان حرامًا، وأخبر سبحانه أنَّ الشيطانَ يصدُّ بالخمر والميسر عن ذكر الله وعن الصَّلاةِ، فإنَّ السكران يزولُ عقلُه، أو يختل، فلا يستطيع أن يذكرَ الله، ولا أن يُصلِّي، ولهذا قال طائفة مِنَ السَّلف: إن شاربَ الخمر تمرُّ عليه ساعة لا يعرف فيها ربَّه، والله سبحانه إنما خلق الخلق ليعرفوه، ويذكروه، ويعبدوه، ويُطيعوه، فما أدَّى إلى الامتناعِ من ذلك، وحال بين العبد وبين معرفة ربه وذكره ومناجاته، كان محرمًا، وهو السكر، وهذا بخلاف النوم، فإنَّ الله تعالى جَبَل العبادَ عليه، واضطرهم إليه، ولا قِوام لأبدانهم إلَّا به، إذ هو راحة لهم من السعي والنصب، فهو من


(١) رواه أحمد ١/ ٥٣، وأبو داود (٣٦٧٠)، والترمذي (٣٠٤٩)، والنسائي ٨/ ٢٨٦ - ٢٨٧ من طرق عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة - واسمه عمرو بن شرحبيل الهمداني الكوفي - عن عمر … وصححه علي بن المديني والترمذي.
(٢) رواه النسائي ٨/ ٣١٥، عن عثمان موقوفًا، ورواه ابن حبان (٥٣٢٤) عنه مرفوعًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>