وأمَّا من أنكرَ العلمَ القديمَ، فنصَّ الشافعيُّ وأحمدُ على تكفيرِهِ، وكذلك غيرُهما مِنْ أئمةِ الإسلام.
فإنْ قيل: فقدْ فرَّق النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث بينَ الإسلام والإيمانِ، وجعلَ الأعمالَ كلَّها من الإسلام، لا مِنَ الإيمانِ، والمشهورُ عَنِ السَّلفِ وأهلِ الحديثِ أن الإيمانَ: قولٌ وعمَلٌ ونيَّةٌ، وأنَّ الأعمالَ كلَّها داخلةٌ في مُسمَّى الإيمانِ. وحكى الشَّافعيُّ على ذلك إجماعَ الصَّحابةِ والتَّابعين ومن بعدَهم ممَّن أدركهم.
وأنكرَ السَّلفُ على مَنْ أخرجَ الأعمالَ عَنِ الإِيمانِ إنكارًا شديدًا. وممَّن أنكرَ ذلك على قائله، وجعلَه قولًا مُحدَثًا: سعيدُ بنُ جبيرٍ، وميمونُ بنُ مِهرانَ، وقتادة، وأيوبُ السَّختيانيُّ، وإبراهيمُ النَّخعي، والزُّهريُّ، ويحيى بنُ أبي كثيرٍ، وغيرُهم. وقال الثَّوريُّ: هو رأيٌ محدَثٌ، أدركنا النَّاس على غيره. وقال الأوزاعيُّ: كان مَنْ مضى ممَّن سلف لا يُفرِّقون بين الإيمان والعمل.
وكتَب عمرُ بنُ عبد العزيزِ إلى أهلِ الأمصارِ: أمَّا بعدُ، فإن للإيمانِ فرائضَ وشرائعَ و [حدودًا] وسننًا، فمن استكملَها، استكملَ الإيمانَ. ومن لم يَستكْمِلها، لم يستكملِ الإيمانَ، ذكره البخاري في "صحيحه"(١).
قيل: الأمر على ما ذكره، وقد دلَّ على دُخول الأعمالِ في الإيمانِ قولُه تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال: ٢ - ٤].
(١) تعليقًا في كتاب "الإيمان": باب قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "بُني الإسلام على خمس"، ووصله ابن أبي شيبة في "المصنف" ١١/ ٤٩.