للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يراقب اليسير ويعد عليه حركاته وسكناته ويحصي عليه أنفاسه، لا يدع شيئاً من أمره يغيب عنه، وعبد الله رجل شديد العارضة ذكي الفؤاد، سريع البديهة لا يهاب الرجال.

أما اليسير فقد كانت الافكار تتقاذفه، فهو طوراً يؤمل نفسه بملك مستقر وحياة مطمئنة بعد أن يصالح المسلمين وهو طوراً يعاتب نفسه ويلومها على ما هي مقدمة عليه من مفاوضة محمد عدو يهود الذي شتت شملهم وفرق جمعهم ويتّم أطفالهم وأفنى شبابهم وأذل كبرياءهم، تقول له نفسه: كيف أفعل ما أفعل؟ وحق التوراة ما أنا من يهود إن تم ما سولت به نفسي من مهادنة محمد! وحق يهود إنني لست لموسى بن عمران إن لم أفن العمر في قتال محمد ومن آمن بمحمد! بئست حياة يهود إن خضعوا لدين محمد! كيف أرضى أن يمتد بي العمر حتى أرى للإسلام دولة ولجنوده صولة؟ كيف أسمح لدين غير دين يهود أن يعلو ويسود؟ أهذا ما أوصت به الأحبار وأوصى به الآباء للأبناء؟ كلا، كلا يجب أن لا تمضي لما أنت فيه يا بن رزام وإلا فلست من يهود، ولا تصلح أن تكون لهم سيداً وعليهم ملكاً!

وألحت هذه الأفكار على نفسه، فلم يعد يرى أمامه إلا عدواً يجب القضاء عليه، ولم يعد يشغل باله إلا التخلص

<<  <   >  >>