ــ ـ[عمود١]ـ من لا يستحقونها, ولم ينفقوا منها في سبيل الله, هم المسئولون على الخصوص أمام الله عن هذا المصاب الذي حل بالإسلام في هذه البلاد لأنهم - من حيث يشعرون أو من حيث لا يشعرون - يعاونون المبشرين على تنصير فقرائنا وضعفائنا, فلو أنهم آمنوا واتقوا, وأنفقوا هذه الصدقات والنذور والأموال في أوجه الخير التي جمعت لها, من إنشاء الملاجئ للضعفاء والمعوزين, ومن فتح المدارس والكتاتيب يتعلم فيها الأطفال المسلمون أمور دينهم, ولم يأكلوا هذه الأموال بغير حقها. لما أمكن للمبشرين بحال من الأحوال أن يظفروا بتنصير هذا العدد الكثير من المسلمين. ثم المسلمون جميعا في هذا الوطن هم أيضا مسئولون أمام الله وأمام الشعوب الأخرى عن هذه الويلات التي تحل بالإسلام, فلو أنهم قاموا بواجبهم في هذا السبيل, وأنفقوا من أموالهم وجهودهم فبما يرضي الله والرسول صلى الله عليه وسلم لما كان للمبشرين طمع في أن ينالوا من الإسلام شيئا مما يريدون ... والحكومة أيضا (وهي حكومة لائكيه) تحمل هي الأخرى على عاتقها من مسئولية هذا الأمر نصيبا موفورا, فهي لم تقم بواجبها من كفالة الأطفال المسلمين ورعايتهم فكانوا ضحايا البؤس والحاجة, وأصبحوا فريسة للمبشرين. يوجد من أطفالنا اليوم زهاء ثمانمائة ألف هم في سن القراءة والتعلم, يهيمون على وجوههم في الشوارع والطرقات, لا يدخلون مدرسة ابتدائية يتلقون فيها أبسط المبادئ التي تؤهلهم للعراك في هذه الحياة, أو يتعلمون فيها أمرا من أمور الدين, ثم لا تبيح لنا نحن المسلمين أن نفتح لأبنائنا المدارس والكتاتيب إلا بعد الجهد والمشقة, ولا تدعنا نتولى بأنفسنا تربية هؤلاء الأطفال, بل هي قد منعت العلماء المسلمين من أن يقوموا في المساجد بواجب الوعظ والإرشاد, وهي بموقفها هذا قد مهدت السبيل - من حيث تدري أو من حيث لا تدري - للمبشرين لكي يكتسحوا الإسلام من هذه الديار.
ـ[عمود٢]ـ إن فرنسا العلمانية لم تعترض على دعاة النصرانية إذ قاموا يشنون الغارة على ديننا, ويختطفون أطفالنا ويختلسون منهم ما في قلوبهم من عقيدة وإيمان, أفليس من العدالة والإنصاف أن تتركنا أحرارا في الدفاع عن ديننا, وفي حماية عقائدنا وعقائد أطفالنا من عادية المعتدين؟. يقول خصوم الإسلام: إن أهالي الجزائر - ولا سيما أهالي زواوة - كانوا نصارى قبل أن يكونوا مسلمين, ويزعمون أنهم لا يخلصون الود لفرنسا إلا إذا عادوا نصارى كما كانوا. ولهذا يطلبون من الحكومة أن تساعد الآباء البيض على تنصير من في هذه الأرض من المسلمين جميعا. ونحن نقول: أن هذه الدعوى باطلة يردها الواقع الذي أثبت أن هؤلاء المسلمين قد قاتلوا مع فرنسا, وأظهروا لها الإخلاص في كل المواقف ولم يمنعهم إسلامهم أن يخلصوا لها المودة, على حين أن الألمان المسيحيين قد قاتلوا فرنسا, ولم تمنعهم مسيحيتهم من أن يناصبوها العداوة والبغضاء, ومع ذلك فإن هؤلاء المسلمين ما زالوا يعيشون مع فرنسا في أحوال استثنائية تحكمهم بالقرارات والمناشير, وليس بالشرائع والقوانين, ثم هم لا يطلبون من الحكومة إلا أن تكفل لهم حرياتهم وتساويهم بالفرنسيين في الحقوق كما تساووا معهم في الواجبات, أما لو فاز دعاة النصرانية ونالوا بغيتهم من تنصير جميع هؤلاء المسلمين (لا قدر الله) فإن الوضعية تتبدل, وتدخل المسألة دورا هو غاية في الخطورة, فالمتنصرون يومئذ لا يرضون من فرنسا بهذه الحقوق التي نطلبها نحن, بل هم لا محالة سيطالبونها بالجلاء عن البلاد, ولا يرضون منها بغير الاستقلال الناجز التام, وهم بلا شك سيجدون يومئذ من أمم أروبا المسيحية وشعوبها كثيرا من الأنصار والأعوان, وأمم أروبا وإن كانت تبيح الاستعمار فهي لا ترضى بأي وجه لأية أمة مسيحية مهما كانت جاهلة منحطة أن تستعمرها أمة أخرى أقوى منها, فشعب البرتقال مثلا ليس يضاهي سوريا أو لبنان أو مصر في التقدم والرقي, ومع ذلك فليس هناك في أروبا كلها من تحدثه نفسه باستعمار هذا
ـ[عمود٣]ـ الشعب المسيحي, والأحباش هم أمة شرقية, ولأروبا فيها مصالح وأطماع, ولكن الأمة الحبشية هي أمة مسيحية لا تطمع أية دولة أوروبية أن تمسها بسوء أو أن تعتدي على استقلالها, وهكذا ينتصر العالم المسيحي للمظلومين من المسيحيين ويبادر إلى نصرتهم وإنقاذهم لأول ما يسمع صرختهم الأولى. إنه من الخير لفرنسا أن يبقى هذا الشعب عربيا مسلما يقاسمها السراء والضراء, وليس من الخير لها أن يترك الإسلام ويصير مسيحيا لا يرضيه منها شيء, على أن هذه الغاية المسيحية التي يسعى إليها المبشرون هي غاية بعيدة جدا لا يمكن أن تنالها أيديهم, فهذه الأمة العربية المسلمة إن لم تستيقظ اليوم, فلا بد أن تستيقظ غدا, ويومئذ تعرف ما هي الوسائل والتدابير التي تتخذها لدرء أخطار التبشير والمبشرين الذين لا يعملون إلا للاستيلاء على الضعفاء ولإغواء القاصرين. * * * أيها المسلمون الجزائريون إنها لكبيرة من الكبائر, وعظيمة من العظائم أن يتنصر ألف وسبعمائة مسلم هم من صميم الإسلام في وطن كالجزائر كل أهاليه مسلمون لا يوجد بينهم ولا واحد غير مسلم, ونحن بعد ذلك ندعي أننا من أشد الناس تمسكا بالإسلام, يجب أن نعالج هذا الداء بالوسائل العادلة المشروعة قبل أن يستفحل ويعظم أمره علينا, فلا نستطيع أن نداويه أو أن نتلافاه. إن هذا العدد من أطفالنا المتنصرين هو عدد كبير جدا ولا يزال يتزايد كل يوم, وإن استمر هكذا فإننا نخشى على مصير الإسلام في هذه الديار. أيها المسلمون الجزائريون؛ كيف نرى أطفالنا وأفلاذ أكبادنا يفتنونهم عن دينهم, ويصدونهم عن سبيل الله ثم لا نتحرك إلى إنقاذهم, ولا تذهب أنفسنا عليهم حسرات!! لمثل هذا يذوب القلب من كمد ... إن كان في القلب إسلام وإيمان محمد السعيد الزاهري