قسنطينة يوم الاثنين ٢٤ ربيع الأول ١٣٥٢ ... Constantine le ١٧ juillet ١٩٣٣ ــ تعطيل ((السنة)) وإصدار ((الشريعة)): للأستاذ عبد الحميد بن باديس رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
ـ[عمود:١]ـ روعت الأمة بنبإ تعطيل جريدة ((السنة)) بقرار من وزارة الداخلية وتقاطرت على الإدارة رسائل الاستياء والتعجب ولم يكن تعجب الناس من تعطيل جريدة دينية بعيدة كل البعد عن السياسة دون استياءهم من عرقلة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين عن عملها الديني التهذيبي الذي ذاقت الأمة حلاوته وشاهدت جميل أثره. أما نحن فقد شاركنا الأمة في الاستياء ولم نشاركها في التعجب فقد كنا توعدنا بأشياء, هذا التعطيل أحدها, فجاء ونحن له متوقعون. غير أن الذي نعجب منه نحن المباشرين لتسيير الجمعية هو التبدل العظيم والانقلاب السريع الذي شاهدناه من بعض الإدارات نحو الجمعية. لقد تجولت وفود الجمعية السنة الماضية في جميع جهات الوطن وألقى وعاظها خطبهم ودروسهم في المحافل العامة وكثيرا ما كان يحضرها رجال من الحكام وكانوا يلقون من شيوخ البلدان الأميار وحكام الدوائر كل تعضيد وتقدير وقابلنا بعد تمام الرحل إدارة الشؤون الوطنية بالعاصمة فلم نسمع على خطتنا أدنى إنكار ولم نتلمح أقل إشارة إلى
ـ[عمود:٢]ـ ارتياب في الجمعية أو استثقال لأعمالها فما الذي بدل العقول وحول النيات، وحمل بريفي العاصمة على ابتداء منازلة الجمعية بقراره المشهور وحمل تلك الإدارات على مناوءة الجمعية ومضايقة رجالها وعرقلة أعمالها حتى عطلوا جريدة السنة لغير ما سبب إلا أنها جريدة الجمعية ولسان حالها؟! هذا محل سؤالنا ومناط تعجبنا. وبعد فما ينقم علينا الناقمون؟ أينقمون علينا تأسيس جمعية دينية إسلامية تهذيبية تعين فرنسا على تهذيب الشعب وترقيته ورفع مستواه إلى الدرجة اللائقة بسمعة فرنسا ومدنيتها وتربيتها للشعوب وتثقيفها فإذا كان هذا ما ينقمون علينا فقد أساءوا إلى فرنسا قبل أن يسيئوا إلينا, وقد دلوا على رجعية فيهم وجمود لا يتناسبان مع المبادئ الجمهورية ولا مع حالة هذا العصر. أفتكون في الهند جمعيات للعلماء تقوم بأعمالها بغاية الحرية والهناء عشرات من السنين تحت السلطة الإنجليزية الغاشمة القاسية وتضيق صدوركم أنتم عن تكون جمعية واحدة للعلماء المسلمين بالجزائر تحت المبادئ الجمهورية العادلة المشعة بعلومها على الأمم فتناهضوها وهي ما تزال في المهد
ـ[عمود:٣]ـ أفظننتم أن الأمة الجزائرية ذات التاريخ العظيم تقضي قرنا كاملا في حجر فرنسا المتمدنة ثم لا تنهض بجنب فرنسا تحت كنفها يدها في يدها فتاة لها من الجمال والحيوية ما لكل فتاة أنجبتها أو ربتها مثل تلك الأم أخطأتم يا هؤلاء التقدير وأسأتم الظن بالمربي والمربى وبعدتم عن العلم بسنن الكون في نهضات الأمم بعضها ببعض عند الاختلاط أو التجاور أو الترابط بشيء من روابط الاجتماع. أنظروا شيئا إلى ما حواليكم من الأمم وتأملوا فيما تنادي به الشعوب وما تعلنه من مطالب فإنكم إذا نظرتم وتأملتم حمدتم لهذه الجزائر الفتية نهضتها الهادئة وتمسكها المتين بفرنسا وارتباطها القوي بمباديها وعدها نفسها جزءا منها وقصرها لطلبها منها على أن تعطى جميع حقوقها كما قامت بجميع واجباتها وأن لا يتقدمها في أيام السلم من قد لا يساويها في أيام الحرب. لا، لا أخالكم تنظرون ولا تتأملون فإن الأثرة المستولية على النفوس حجاب كثيف يحول دون رؤية الحقائق كما هي ويحول حتى دون رؤية مصلحة فرنسا الحقيقية نفسها. وإني لأفهم من مناهضتكم العجيبة للجمعية هي جمعية دينية تهذيبية بعيدة عن كل سياسة - إنكم لا تريدون من الجزائر إلا أن تبقى جامدة وأن لا تتمتع بشيء من الحق إلا ما لا غناء فيه ولا بقي معه ولعمر الحق