للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>


الصفحة ٦
ــ
ـ[عمود١]ـ
ألف وسبعمائة مسلم
يرتدون عن دينهم الحنيف ويعتنقون النصرانية الكاثوليكية.
بقلم الأستاذ الزاهري العضو الإداري لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
كان يوم ٢٣ ماي الأخير يوم حزن وحداد على المسلمين في عاصمة الجزائر, وكان يوما من أشد أيام هذا الوطن شؤما وسوادا, فقد رأينا فيه ما يذوب له القلب كمدا وغما إن كان يحمل مثقال ذرة من الإيمان, ورأينا فيه ما يبعث في النفس الكريمة كل معاني الألم والحسرة والأسى, رأينا الآباء البيض ورجال الكاثوليكية يقيمون في هذا اليوم في عاصمة الجزائر الولائم والاحتفالات احتفاء بسبعمائة وألف من المسلمين الجزائريين قد وقعوا فيما نصبوه لهم من الأشراك والأحابيل, فارتدوا عن دينهم القيم الحنيف, واعتنقوا النصرانية على المذهب الكاثوليكي طوعا أو كرها.
لقد بذل القائمون على هذه الاحتفالات أقصى ما يمكنهم أن يبذلوه من الجهود والنفقات ليجعلوها شائقة فخمة تجمع كل أسباب البهرجة والأبهة والجلال, ليعظموا في أعين الناس, وليغمرهم الناس بالمدح والثناء على ما عملوا من تبشير وتنصير وليقدر المسيحيون الكاثوليك أعمالهم هذه, فيمدونهم بالمال من جديد, ويجزلون لهم الأجر والثواب.
* * *
ووقع استعراض هؤلاء المتنصرين في ذلك اليوم (٢٣ ماي الأخير) في ملابسهم الجزائرية كدعوة للمسلمين بأن يتركوا الإسلام وليلتحقوا بهؤلاء المتنصرين وكان الأجانب الأروبيون يضحكون من هذه الملابس ويتغامزون عليها, كأنهم لم يصدقوا بعد أن هؤلاء نصارى, ولم يعودوا مسلمين وكانت كل طائفة من الطوائف المسيحية تود لو أنها استأثرت هي وحدها بهذه الغنيمة الباردة, وكانت خالصة لها من دون

ـ[عمود٢]ـ
الطوائف الأخرى.
وكان منظر هؤلاء المتنصرين الذين ارتدوا عن دينهم الحنيف منظرا مؤثرا جدا يثير الهموم والأحزان, ويهيج البلابل والأشجان, فقد كانت تعلوا وجوههم سحب سوداء من الغم والاكتئاب تدل على أن لهم نفوسا يأكلها العذاب, ويلح عليها, وعلى أن بين جوانحهم قلوبا مضطربة لا يخالطها شيء من الاطمئنان أو الرضى, وليس على وجوههم ولا علامة واحدة تدل على أنهم قد رضوا لأنفسهم هذا الدين الجديد أو ارتاحوا إليه, وكان أكثرهم أطفالا صغارا قد عجز آباؤهم وأولياؤهم أن يقوتوهم أو أن يقوموا لهم على ضرورياتهم, فالتقطهم المبشرون المسيحيون, واستغلوا جوعهم وضعفهم فاستولوا عليهم واحتلوا منهم العقائد والقلوب. وكنت أنا أراهم يمرون, فقلت في نفسي: إن أولياء هؤلاء الأطفال لم يتركوا أولادهم هؤلاء إلا بعد أن بلغوا هم من الفقر والشقاء حالة ليس وراءها حالة أسوأ منها, وأن هؤلاء المبشرين المسيحيين لو راعوا الهمة والرجولة لما رضوا لأنفسهم أن يستفيدوا مما يصيب الناس من المصائب والنكبات, وأفضيت بهذا القول إلى مسلم كان واقفا إلى جانبي فسمعني أحد المسيحيين فقال لي: يظهر أن هؤلاء الآباء قد أحسنوا إلى هؤلاء الأطفال وأحسنوا إليكم أنتم أيضا بذلك, فقلت له: كلا لم يفعلوا مع هؤلاء الأطفال خيرا يريدون به وجه الله, ولكنهم أطعموهم من جوع لحاجة في نفس يعقوب على أنهم قد سلبوهم إيمانهم وإسلامهم في مقابلة ذلك, ولما تنصر هؤلاء وتركوا الإسلام فالإحسان إليهم ليس بإحسان إلى الإسلام ولكنه إحسان إلى المسيحية نفسها. ودار بيني وبينه كلام كثير في هذا الموضوع أرجئه

ـ[عمود٣]ـ
إلى فرصة أخرى.
...
ترى لماذا اعتنق هؤلاء النصرانية الكاثوليكية ولماذا تركوا الإسلام وارتدوا عن دينهم الحنيف؟
فهل وجدوا فيه ما كره إليهم الإيمان وكره إليهم الخير والتقوى؟ وماذا أعجبهم من الكاثوليكية حتى سارعوا إلى اعتناقها؟
والجواب على هذا هو سهل يسير, لا عسر فيه ولا عناء, فالواقع الذي لا شك فيه هو أنه ليس في هؤلاء المتنصرين ولا واحد قد ترك الإسلام بملء إرادته طائعا مختارا ولكن حملتهم على التنصر عوامل أخرى غير الطواعية والاختيار وهي ثلاثة أسباب لا رابع لها, أما السبب الأول فهو الفقر وأما الثاني فهو الجهل وأما الثالث فهو العجز أو الضعف أو القصور (سمه بما شئت) ومن هذه الأسباب مجتمعة جاءتنا كل المصائب والويلات.
هؤلاء المرتدون لم يتركوا دينهم القيم حبا بالنصرانية ولكنهم تنصروا ضعفا وجهلا وحبا في الخبز! ... وليس في هؤلاء المتنصرين ولا واحد تنصر حينما بلغ رشده وملك أمر نفسه مهما كان جاهلا مطبقا, ومهما كان فقيرا معدما. وإنما تركوا الإسلام إلى النصرانية حينما كانوا - كما لا يزال أكثرهم - ذرية ضعافا, ما لهم من أولياء يواسونهم عند الحاجة الشديدة والضرورة القصوى, أو حينما كانوا يتامى قاصرين لا يجدون لأنفسهم على نوائب الدهر مواسيا ولا معينا, ولا وجدوا لهم بين هؤلاء المسلمين وليا ولا نصيرا, وما أنت بواجد بين الضعاف القاصرين أو اليتامى ولا واحدا يتنصر وله ولي يحبه من هؤلاء المبشرين مهما كانت منزلته في اليتم والضعف والقصور.
إن الأغنياء من أشياخ الطرق الصوفية الذين جمعوا من فقراء المسلمين باسم (الصدقات) و (النذور) و (الزيارات) أمولا طائلة بدعوى أنهم سيصرفونها في أوجه البر, وفي خير الإسلام والمسلمين, ثم أسرفوا على أنفسهم, وأنفقوها في الأهواء والشهوات, وبذروها هبات وهدايا إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>