ــ ـ[عمود:١]ـ وتصدعت بقوة قلوبهم قلوب الجاحدين, وذلت لعزة نفوسهم نفوس المبطلين, وما أعزت مبطلا كثرته ولا أغنت عن جاحد آلهته ... ورأينا من المحايدين أكثر من أن نحصي كيف أصبحوا بعد انتصار الحق - ولا بد من انتصاره - لا يقام لهم وزن ولا يعرف لهم شأن ولا يعتبرون إلا كصخور على ضفتي واد تشينه ولا تزينه فلما سالت الأباطح والشعاب وغمرت الوادي المياه جرفتها فيما جرفت فذهبت إلى حيث لا يشهدها عيان ولا يذكرها لسان ولا يتأسف عليها إنسان ... ونبت في مكانها من الضفتين العشب والأشجار ذات الأزهار والثمار فتمتع الناس بريحها بالليل وتفيء ظلها بالنهار. ذلك مثل القوم المحايدين الذين لا ينفعون ولا ينتفعون ومثل القوم العاملين الذين يفيدون ويستفيدون ... تلك هي الأسباب الطبيعية ((للبقاء على الحياد)) وتلك هي صفات المحايدين فما هي نتائجه ولوازمه؟ فأولى نتائجه تكثير سواد المبطلين عن غير شعور من صاحبه, لأن المبطل يعتبر أن كل من لم يعارضه فهو مؤيد له وناصر! وأول كلمة يواجه بها المحق: ((أنت وحدك ومن دون هؤلاء تعارضني وتسمي ما أقول وما أعمل باطلا!)) ولذلك كان اشتباه العلماء الذين يقرون البدع والمنكرات بسكوتهم عنها وعن صاحبها حجة عند العامة العمياء والمبطلين الأدنياء. ومن لوازم ((البقاء على الحياد)) كتمان العلم والغش لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم فمن علم الحق ولم يعلمه فقد كتمه, ومن رآه في حاجة إلى النصير ولم ينصره فقد خذله ومن علم الباطل ولم يكشفه للناس فقد غش ولم ينصح, ومن رأى الباطل شوكة ولم يكسرها أو يعمل على
ـ[عمود٢]ـ كسرها فقد أبقى عليه وشد أزره. وما شروط ((الصلح)) المشهورة إلا دعوة للبقاء على الحياد الذي يترك الناس على (ديانتهم وعوائدهم) حقا كانت أو باطلا! وليس من شرط في تلك الشروط إلا وتحته أيدي تعضد المنكر وتؤازره وتعارض المعروف وتحاربه. ومن لوازمه مخالفة أمر الله ورسوله فمن أوامر الله أن تكون فينا أمة تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وهذه الأمة لا تحد بحد ولا تحصر بعد وكما تصدق على الجماعة تصدق على الفرد, فلماذا تخرج نفسك منها أيها المحايد ولا تكون ذلك الفرد؟ ومن أوامر الله أن نستبق الخيرات بتخيير الوجهات وأي وجهة خير كالانتصار للحق؟ فلماذا لا تسبق غيرك فيها أيها المحايد؟ ومن أوامره تعالى أن نتعظ بواحدة: أن نقوم لله مثنى وفرادى ثم نتفكر فيما أوحى الله به لرسوله وننصح لأنفسنا بالاعتراف بالحق والإنابة إليه وبالانتصار لدين الله وتأييده, فما قيمتك في الدنيا وما حظك في الآخرة أيها المحايد إذا لم تتعظ بواحدة الله: أن تقوم له مع القائمين وتؤيد دينه مع المؤيدين؟ وإذا كنت أيها المحايد تؤمن بقول الله: {يُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ} وقوله: {إِنَ الْبَاطِلَ كَانَ زَهوقًا} فما معنى بقائك على الحياد وعدم إعلانك الحرب على الباطل؟ لا يكون لحالك هذه معنى إلا أن تكون تخاف أن يخلف الله وعده ويخذل جنده, وحاشا الله! وإذا كنت تعلم أنه ليس من المسلمين من لا يهتم لشؤونهم وأنهم يد على من سواهم فبماذا تسمي حيادك؟ أبعدم الاهتمام بشؤونهم أم بأن يدك ليست يدهم؟؟ إن الحياد خصلة من أقبح الخصال ولا يلتجئ إليها إلا ضعفاء القلوب وفاتروا العزائم بل لا يلتجئ إليها إلا من لا إيمان في قلوبهم ولا حجة على ألسنتهم. فحذار أيها المسلم الصادق أن تعرف الحق ولا تنصره وتعرف الباطل ولا تنكره وحذار أن تكون من غواة ((البقاء على الحياد)) فإنه خذلان
ـ[عمود٣]ـ (عليك بخويصة نفسك) للأخ صاحب الإمضاء العضو بالجمعية هذه فقرة من كلام سيد المرسلين طالما تكررت على الألسنة كضرب مثل يرمي إلى أن يجعل المؤمن في معتزل عن أبناء دينه وأمته خلاف حكمة الباري تعالى خلقه وخلاف تعاليم الشرائع السماوية ولقد استطاعت الدسائس أن تجعل العامة وكثيرا من الخاصة تحفظها وتفهم لها معنى لم يرده الله ورسوله وأراده أعداء المسلمين. نعم لم يرده الله تعالى ورسوله لأن الشريعة الإسلامية اعتبرت المسلمين كجسد واحد إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر, غير أنه مهما بلغت أمة من كمال الصلاح والتقى فلا بد من وجود أشرار فيها مذبذبين يحيدون عن سبيل الصواب ويسلكون طريق الغواية فكان حديث (عليك بخويصة نفسك) تسلية لصالحي المؤمنين بأنه لا يضرهم من ضل من المسلمين ولم يقبل سلوك طريقهم إذا اهتدوا وساروا على جادة الحق والهدى, لكن لا يخفى أن الهداية هي قبول الدين الإسلامي بكل ما جاء به ثابتا عن الله ورسوله وأن مما جاء في الشريعة المطهرة بل هو ركنها الوطيد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللذين أصاب العرب والإسلام ما أصابهما لم يكن إلا بسبب تركهم لهما فقد روى الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم» وروى أبو داود في سننه عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إن أول ما دخل النقص في بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا ̄ ̄ ̄ ̄ ̄ ̄ للحق ورضى بالباطل, والله يغفر لمن يشاء ويهدي إليه من ينيب. مستغانم مصطفى بن حلوش.