ــ ـ[عمود:١]ـ من كل أسبوع بفصاحته السحبانية، وإيمانه القوي فما أتمها حتى حول القلوب إلى الحياة الدينية الحقيقية وأماط اللثام عن حياته صلى الله عليه وسلم وما كان عليه هو وأصحابه من دماثة الأخلاق وحسن المعاشرة واللطف في القول والصبر على الشدائد وما إلى ذلك من صفاته العلية صلى الله عليه وسلم, فأكبر به من فارس مغوار في ميادين الجد وإثارة الهمم ومن لسان دلق في مثل هذه المحافل. ثم امتطى منصة الخطابة أدباء من الوافدين، فأجادوا فيما تكلموا فيه وأفادوا أكثر الله من أمثالهم, ثم نهض فارس البلاغة وبطل البيان الرئيس عبد الحميد، فألقى خطابا تنبع منه البلاغة العربية وتتدفق منه الفضيلة والعلم والفلسفة, فكان بردا وسلاما على القلوب, ثم انصرف الجمع من النادي وموعده غدوة اليوم الثاني على الساعة التاسعة صباحا. فما دقت التاسعة غدا حتى غص النادي برحابه وغرفه فلما اصطف المجلس واطمأنت أعضاءه جود العقبي آيات من القرآن الشريف تنطبق على حالة الجمعية من جميع مناحيها ورتلها بصوته الشجي وبلهجة حجازية ترتيلا. فأسالت منا الدموع الحارة وكأننا والله لم نقرأ تلك الآيات فثبت بها القلوب وزادها إيمانا على إيمانها, ثم قام الأستاذ الإمام الرئيس وألقى الخطاب العام للجمعية وعرض به على الحاضرين حالة الجمعية السنوية وهنا يقصر قلمي عن وصف هذا الخطاب ولا يصفه إلا إدراجه في الجرائد ليقرأه الناس فهو أشبه شيء بالنغمات التي يولدها الموسيقار الفنان من أوتار القتارة بيد أنها نغمات حزن وألم, ثم انتعاش وأمل, فليس في استطاعة أي إنسان ولو بلغ من الفصاحة اللسانية والقلمية أعلى بيان أن يعبر تعبيرا صادقا عما يحس به من تأثير تلكم النغمات في قرارة نفسه وفي روحه من نعيم وطرب وألم وحزن أو لذة
ـ[عمود٢]ـ وحلاوة, وإن وفق إلى التعبير عنها وكان قديرا على ذلك فهو في الحقيقة والواقع تقرب من الحقيقة لا هي نفس الحقيقة فكذلك خطاب الرئيس. فتأسف فيه تأسفا شديدا على ما كيدت به جمعية تقول ربي الله وتدين بالله وبفرقانه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم الصحيحة داعية للصالح العام وللأخوة الشاملة: محاربة للمفاسد والرذائل ناصرة للفضيلة والعلم والتهذيب وترقيق الحس كل ذلك في أدب من القول ولطف في المخاطبة, والمجاملة في المعاملة والمقابلة في ظل القانون العام والقانون الخاص. أجمعية كهذه تتألب عليها النفوس وتتنمر في وجهها الوجوه وتوضع في سبيلها النصب والعقد، إن في هذا لبلاغا لقوم يعقلون وعبرة لقوم يبصرون فتوالت الاجتماعات ثلاثة أيام وعملت فيها أعمال وتليت فيها التقارير وجودت آيات وألقيت فيها الخطب والمسامرات ودروس في مختلف المواضيع وعرضت الحسابات وأجريت الانتخابات على غاية من النظام والهدوء والحرية المطلقة كل هذا جرى في غير تشويش وفوضى وبمفاهمة وبمناقشة لينة فكانت الأيام الثلاث أيام أنس وسرور وتعارف ونظام وانتظام. وختم الاجتماع العملي عشية اليوم الثاني بوصية الرئيس للوافدين وطلب منهم أن يعاهدوه معاهدة سلام ووئام على نشر الخير بين ربوع الجزائر ونشر الدين الصحيح وبث الأخلاق الكريمة والشيم الحميدة وما إلى ذلك من الفضائل الإنسانية. فعاهده الناس على ذلك عهدا لا خفر فيه وأوصى الناس باحترام الأدب والقوانين والأخوة لجميع سكان القطر على اختلاف مذاهبهم ونحلهم وعقائدهم ومللهم وجنسياتهم وعناصرهم لأن الإسلام دين الإنسانية. يتبع بلقاسم الزغداني
ـ[عمود٣]ـ الإعتداء على الأستاذ الزاهري
نشرنا في العدد السالف من هذه الجريدة خبر الاعتداء الشنيع الواقع بمدينة وهران على الأستاذ محمد السعيد الزاهري ووعدنا بنشر كل ما يرد علينا من التفاصيل المتعلقة بهذا الحادث المزعج الذي استاء وأسف له جميع العقلاء من المسلمين وحتى من غير المسلمين. أهم ما استفدناه إلى حد الآن أن الجاني لم يكن إلا منفذا لأمر دبر في خفاء لإذاية الجمعية والطائفة الإصلاحية في شخص الأستاذ الزاهري, وأن الشرطة مهتمة بالقضية اهتماما وصلت به إلى إلقاء القبض على (اليد الضاربة) وأوشكت أن تكشف الغطاء عن حقيقة القضية من جميع نواحيها، وأن الرأي العام بوهران هائج ناقم على المعتدي وعلى البغاة الذين اتخذوه آلة عمياء لقضاء حوائجهم الخسيسة وتنفيذ أغراضهم الأثيمة. نشرت جريدة ((أوران ماتان)) اليومية بعددها الصادر يوم الثلاثين جوليت فصلا صافيا حارا أمضاه فريق من الأعيان المسلمين احتجاجا على عمل هذا الجاني ومن شاركه في جنايته بالقول أو بالفعل أو بغيرهما، وقد علقت الجريدة على ذلك الفصل بما يفيد أنها وهي ترجمان الرأي الفرنساوي ساخطة على كل من له يد في هذا الحادث أو حصة من مسؤوليته. ونحن وإن وجدنا بعض السلوى في موقف أعيان وهران وصحافتها الفرنساوية لا نفتأ نسجل بكل قوانا على السطو الوحشي الذي أسال دم ركن من أركان الإصلاح الديني والنهضة الجزائرية ونشكو إلى الله دناءة وسفالة خصومنا الذين يحاربوننا بالنميمة والوشاية، ويجادلوننا بالمدية والهراوة، وننتظر من الهيئة الحاكمة مؤاخذة المعتدي ومعاملته بما يستحق، واثقين برجال العدالة وشاكرين كل من قام بواجبه.