ــ ـ[عمود:١]ـ تروم كل مرام فمن كل صوب قدم عالمان أو ثلاثة هم في العلم علماء، وفي التفكير مفكرون، ومعهم وفود من وجوه ذلك الصقع وعيونه وذوي النفوذ والاحترام، والكلمة العلياء عند قومهم، فقطعوا المهامه والمفاوز واجتازوا الهضاب والتلاع واخترقوا الجبال وضربوا أكباد الإبل في الصحاري ومجاهلها الرملية من سوف وتوقرت وما دونها, وآثار السفر على وجوههم وتكبد مشاقه تلوح على جبينهم ونزلوا بالعاصمة تأييدا للجمعية, يرون فيها صالحهم وحياتهم الدينية والأدبية، ودفعا لكل ما ترمى به الجمعية من أنها جمعية التسعة وجمعية أفراد, وحدث عن عزائمهم المتقدة وقلوبهم المستعرة نارا نحو جمعيتهم ونحو نجاحها، هذا رغم ما اصطف في طريقهم من عراقيل ومثبطات وترهيبات ووشايات اصطفافا ولسان حالهم ينشد: نحن النيام إذا الليالي سالمت ... فإذا وثبن نحن غير نيام قل للحوادث أقدمي أو أحجمي ... إنا بنو الإقدام والإحجام عبست إلينا الحادثات وطالما ... نزلت فلم نغلب على الأحلام الحق كل سلاحهم وكفاحهم ... والحق نعم مثبت الأقدام فينا من الصبر الجميل بقية ... لحوادث خلف الغيوب جسام فجاءوا على بكرة أبيهم صافي الاعتقاد والعقيدة يحملون فكرة الإصلاح بأجلى معانيها وأرواحا بين ضلوعهم عالية تثب للمعاني وثبا, وتطمح للحياة طموحا, فكان اجتماعهم بالعاصمة شجى في حلوق من لا يروقهم وجود هذه الجمعية. وهذه المنجاة البشرية حدا فاصلا بين الحق والباطل, وفيصلا حاسما في رفع كل نزاع وكل تقول على الأمة فحرام اليوم ولا يصح -والله-
ـ[عمود٢]ـ أن تنطق جمعية إن صح أنها جمعية أو فرد أو رئيس أو كائن بلفظة الأمة غير جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، فكل من ذكر لفظة ((الأمة)) غير جمعية العلماء فإنه والله ليضحكنا كثيرا ويضع نفسه محل ازدراء الأمة ومنبعث السخرية والفذالك الليلية، فخير للذين لا يريدون أن تضرب بهم الأمثال في السخرية والازدراء أن يكفوا عن التعبير بالأمة وذكر لفظة الأمة وخير لهم أن ينسلخوا من هذه الجامعة التي طال استغلالهم لها كتابة ونطقا وحسا ومعنى وليدع الأمة تستغل جمعيتها وتستثمر ثمراتها اليانعة وقطوفها الدانية. من لي بمن يحسن الإصغاء ويدرك كلامي. ويرعوي بنصائحي ويتوجع من إيلامي, ومالي أذهب في غربلتي ذهاب من يناضل عن الجمعية ويذود عن حياضها فكأنه توجد جمعيات بجانبها تناوئها ولا ورب الكعبة جمعية بعد هذا الاجتماع الأخير للجمعية يصح أن تكون لها مذاود, أو ما يجدر بالكتاب أن ينتقلوا عن ذكر كل جمعية أو كل طائفة أو كل رئيس أو كل فرد من أفراد الناس في كتاباتهم إلى ذكر فضائل هذه الجمعية وما تحمل من خير للأمة وما تنويه من أعمال وما هي طريقتها التي تريد أن تحمل عليها الناس للوصول إلى غاياتها المباركة. فلكل مقام مقال, ولكل زمان عقلية وأسلوب ولكل سنة تحول في العمل وتجدد في الفكر, فلننتقل من قيل وقال ولنعبد الله رغبة ورهبة ولنسلك الاعتدال في عباداتنا ولندع المكان فسيحا لأهل الجدال ولنشطب عن كل شيء من هذا القبيل فلنا ثقتنا الدينية والعلمية في علماء جمعيتنا فلنعمل بما أمرونا به, ولننته عما نهونا عنه هذا إذا أردنا التقدم السريع, فهلموا بنا فهلموا.
ـ[عمود٣]ـ فنحن ولله الحمد, قد أصبحنا رجالا، لنا أن نفتخر بأعمالنا, ونتحدث بثمرات جهودنا بعد هذا الاجتماع الأخير ويجدر بالرجال أن يضربوا صفحا عن كل ما لا يهم الأمة ولنشتغل بخدمة الأمة, ولنضرب الأمثال للناس في الشجاعة، والصبر عند الملمات ولنشرع في تطبيق ما فكرنا فيه وقررناه حتى يرى الناس أعما لنا ويشاهدوها بأبصارهم ويلمسوها بأيديهم. لست أذكر في مقالي هذا ما جرى في الاجتماعات مرتبا لها دورا بعد دور. فقد قامت الجرائد وكتابها الكرام ببيان كاف شاف فيما جرى بالجمعية في الأيام الثلاثة تفصيلا، إنما الأجدر بالمغربل أن لا يتناول من الكلام والمواضيع إلا ما لم يغربله الناس ويستحق الغربلة. حتى لا يبقى في الجمعية غث و سمين إلا غربل. لقد حططنا رجال السفر عشية يوم الأحد ٢٥ جوان بساحة الحكومة مع وفد عظيم من الأدباء والعلماء. وقلوبنا تحدثنا ونفوسنا تنقبض آونة وتنبسط أخرى. وعيوننا شاخصة إلى النادي, هل أولئك الجالسون على سطوحه من الوجوه النيرة والعمائم البيض من الوافدين للجمعية. أم تلك الجلسة من الجلسات المعتادة فيه, فنزلنا من السيارة وذهبنا توا إلى النادي وولجناه فإذا هو على ظاهره من أروع الظواهر, ماذا وجدنا؟ وجدنا قاعته وردهاته متراصة بالكراسي ووجدنا أصحاب العمائم البيض و الآداب الغضة والأخلاق الطرية جالسين على هذه الكراسي حتى ضاق النادي بالوافدين فعرفنا وتيقنا أن الأمر جد وأن الاجتماع هو اجتماعي إنساني عظيم. وشاهدنا بأعين رؤوسنا الهيئة العلمية حقا وكان الأستاذ الطيب العقبي الداعية الديني الكبير بالشمال الإفريقي يلقي على السامعين محاضرته العلمية الدينية المعتادة التي كان يلقيها يوم الأحد