للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>


الصفحة ٢
ــ
ـ[عمود:١]ـ
حيث القوة والمتانة والمقام والمكانة فأين مظهرها وأين مخبرها في العمل الذي أسست لأجله.
إن جمعيتكم هذه أسست لغايتين شريفتين لهما في قلب كل عربي مسلم بهذا الوطن مكانة لا تساويها مكانة وهما إحياء مجد الدين الإسلامي وإحياء مجد اللغة العربية.
فأما إحياء مجد الدين الإسلامي فبإقامته كما أمر الله أن يقام بتصحيح أركانه الأربعة العقيدة والعبادة والمعاملة والخلق, فكلكم يعلم أن هذه الأركان قد أصبحت مختلة وأن اختلالها أوقعنا فيما ترون من مصائب وبلايا وآفات.
اختلت العقائد ولابسها هذا الشوب من الخرافات والمعتقدات الباطلة فضعفت ثقتنا بالله ووثقنا بما لا يوثق به.
واختلت العبادات فخوت النفوس من تلك الآثار الجليلة التي هي سر العبادة والتي هي الباعث الأكبر على الكمال الروحي.
واختلت الأحكام فانتهكت الحرمات واستبيحت المحرمات وتفككت روابط الأسرة الإسلامية وقطعت الأرحام وتعادى المسلمون وتباغضوا وتنكر الأخ لأخيه-
وضعف الوازع الديني الذي يهيئ النفوس للانطباع بطابع واحد فأصبحت مستعدة للتكيف بما يقبح وما يحسن ثم غلب ما يقبح على ما يحسن فخرجت الفضيلة الإسلامية من عقل المسلم ومن نفسه وحلت محلها الرذيلة ثم جاء الاحتكاك بالأجانب عن هذا الدين ومعهم عاداتهم وأخلاقهم فوجدت السبيل ممهدا ووجدت نفوس المسلمين عورات بلا مدافع ولا محام فتمكنت فيها ومكنت لغيرها والشر يعدي, وكان من نتائج ذلك ما ترون من انحلال وتفكك.
ولو كنا نعبد الله حق عبادته ونبني

ـ[عمود٢]ـ
العبادة الخالصة على عقيدة خالصة - لكان من آثار تلك العبادة في نفوسنا ما يقيها من شرور هذه العوائد العادية.
واختلت الأخلاق وفي اختلالها البلاء المبين وإن الأخلاق في دينكم هي شعب الإيمان فلا يختل خلق إلا وتضيع من الإيمان شعبة وقد أجمع حكماء الأمم على هذه الحقيقة التي قررها الإسلام بدلائله وأصوله وهي أن الأمم لا تقوم ولا تحفظ وجودها إلا برسوخ الأخلاق الفاضلة في نفوس أفرادها-
ولهذا نرى الإسلام يأخذ في شرطه على أبنائه أن يتآمروا بالمعروف ويتناهوا عن المنكر ويبدئ في هذا المعنى ويعيد ويضرب الأمثال ويبين الآثار ويلفت النفوس إلى الاعتبار بمن مضوا وإلى سنن الله الخالية فيهم.
لو لم يكن من أصول دينكم أيها الإخوة وتعاليمه إلا هذا الأصل وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكفاه دلالة على أنه دين اجتماع وعمران وحياة وبقاء ولو لم نضع فيما أضعنا من تلك الأصول إلا هذا الأصل لكفانا مقتا واستحقاقا لغضبه واستبداله بنا قوما غيرنا.
وأما إحياء مجد اللسان العربي فلأنه لسان هذا الدين والمترجم عن أسراره ومكنوناته لأنه لسان القرآن الذي هو مستودع الهداية الإلهية العامة للبشر كلهم لأنه لسان محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم صفوة الله من خلقه والمثل الأعلى لهذا النوع الإنساني الذي هو أشرف مخلوقات الله ولأنه لسان تاريخ هذا الدين ومجلي مواقع العبر منه، ولأنه قبل ذلك وبعد ذلك لسان أمة شغلت حيزا من التاريخ بفطرتها وآدابها وأخلاقها وحكمها وأطوارها وتصاريفها في الحياة ودولها في الدول وخيالها اللامع الخاطف

ـ[عمود٣]ـ
الذي هو أساس فنها وآرائها في عالمي الكون والفساد.
وكلكم يعلم أن هذا اللسان ضاع من بيننا فأضعنا بضياعه كل ذلك التراث الغالي النفيس من دين وتاريخ وإن اللغة هي المقوم الأكبر من مقومات الاجتماع البشري وما من أمة أضاعت لغتها إلا وأضاعت وجودها واستتبع ضياع اللغة ضياع المقومات الأخرى. ويأبى لكم الله والإسلام أن تضيعوا لغة كتاب الله ولغة الإسلام.
يأبى لكم الله إلا أن ترجعوا إليها لا لتحيوها بل لتحيوا بها الفضيلة الإسلامية في نفوسكم ولتحيوا بها الحياة التي يريدها الله منكم فجمعيتكم - بعون الله وبفضل هممكم تركب لهاتين الغايتين من الوسائل كل ممكن فمن محاضرات ودروس عامة إلى دروس خاصة إلى تنشيط وإرشاد لهذين وهي تعتقد في الإعانة على القيام بهذا العهد الذي قطعته على نفسها - بعد الله على كل من يصله صوتها من أبناء هذه الأمة - وهي تعتقد أنها لا تستغني عن الإعانة من أنصارها مهما قلت وأنها لا تستغني عن حنكة الشبب وتجاريبهم ولا عن اعتدال الكهول وحكمتهم - ولا عن نشاط الشبان وفتوتهم وإن تكافل هذه القوى الثلاث سيخرج للأمة الجزائرية جيلا مزودا بالإسلام الصحيح وهدايته والبيان العربي وبلاغته عارفا بقيمة الحياة سباقا في ميادينها متحليا بالفضائل عزوفا عن الرذائل عارفا بما له وما عليه واقفا في مستقر الحقيقة الواقع لا في ملعب الخيال الطائر-
أيها الإخوة الكرام - ليس من معنى سعي جمعيتكم لهاتين الغايتين أنها تعرض عما سواهما وأنها لا تقيم الوزن لهذه العلوم التي أصبحت وسائل للحياة أوهي الحياة نفسها كما ظنه الظانون بهذه الجمعية فظنوا بها ظن من لم يفهم شيئا من حقيقتها فهي تعمل للغايتين وتعمل لما وراء الغايتين من كل نافع مفيد لا ينافي كليات الإسلام وأصوله.
وإن في سماحة الإسلام الذي ندعو إليه وفيما هو مقرر في مقاصده من عدم التحجير على العقول

<<  <  ج: ص:  >  >>