ــ ـ[عمود:١]ـ أكاذيبهم ومفترياتهم لو كان أمرهم يهمهم. فقد قالوا أخيرا في ورقتهم الضالة أنهم أسسوا مدرسة في مجاهل فلسطين وزارها اثنان منهم فكان ما سمعاه من تلاميذ هذه المدرسة التي لا وجود لها إلا في سطرين من ورقتهم هذه ... أناشيد حلولية لا يبعد أن تكون من أحسن وأبلغ ما لم يقل وأفصح ما ضمه ديوان شيخ الحلول المشهور الذي تحسده دواوين غير الشعر على رواجه حتى أنه لو طبع ألف مرة لما بقيت منه نسخة مادام حلولي يمشي فوق الثرى ومادامت بلاد ((ناطحات السحاب)) تهيئ مدارسها من يفهمه ويغوص في بحر لآليه لاستخراج أسراره وأحجاره. على أن هذا الديوان قد سد فراغا عظيما من الأدب الحلولي وولد كتبا كثيرة كلها تبحث في محاسن الحلول ولا يفهمها إلا علامة المعقول والمنقول! ((وأنا لو كنت أضرب بسهم في علم الحلول وكان لي بعض إلمام بتطبيق قواعده المقررة لاقتنيت البعض منها للإحراق)). وهكذا كانوا يطيرون بمفترياتهم وأضاليلهم من مركزهم فينزلون بها مرة ((بنيويورك)) ومرة ((بلندن)) أو ((باريس)) ثم يعلنون على رواجها فوق ورقتهم الحلولية حيثما وقعوا وطاروا وإن كان الواقع يكذبهم حثيما حلوا وارتحلوا وقد راموا هذه المرة أن يطيروا ويسقطوا ببلاد القبائل كما يسقط الذباب على الطعام وينصبوا ظل أخبيتهم هناك فسقطوا ووقعوا في بعض الأودية التي لم يجدوا فيها إلا مخلوقا أو مخلوقين من أمثالهم ((والطيور على أمثالها تقع)). وكان هذا بعد ما عادوا من أطراف العالم مزودين بالخيبة والخسران. وقد اختار شيخهم هذا لما أراد أن يغزو هذه البلاد أن ينزل ببلدة من
ـ[عمود٢]ـ البلاد الحديثة ولعلها بلدة (آقبو) فنزل فيها بجمع من خدمه وحشمه وكان ذلك منذ عشر سنوات. ولم يكد يلقي عصا التسيار بهذه البلدة حتى انتشر خبر أمره الغريب وقصده بعض شيوخ الزوايا بتلك الناحية وأفهمه بعد محاورة أن المهمة التي أنزلته وأسقطته عندهم وجعلته يقتحم الأخطار ويقطع الفيافي والسباسب راضيا من الغنيمة بالإياب هي نشر هذه الطريقة العصرية التي تغني عن الطرق كلها ولا تغني الطرق عنها وهو يريد أن طريقته هذه ناسخة لجميع ما تقدمها من الطرق إذ لم يكن في سابق أمره قط يعترف لأحد بالسلوك من الطرقيين، فما تنشره ورقته هذه الأيام وتزعم أنه من محاسن الطرق الصوفية ومزاياها إنما هو من قبيل التمويه والتضليل وإلا هذا الشيخ القبائلي من أتباع الشيخ ابن عبد الرحمن فلماذا يعرض عليه الدخول في طريقته ذات الاصطلاحات والقوانين الجديدة والانسلاخ من طريقة شيخه الأول بحجة أنها قديمة لا تصلح في هذا العصر عصر التجديد والاختراع ولا توصل إلى المراد إلى غير هذا من إسرافه وإسراف أذنابه المغرورين في مدح أنفسهم وتفضيل طريقتهم على كل طريق. إلا أن الشيخ القبائلي في ذلك المكان وذلك الزمان وتلك المناسبة لم يجبه إلا بما يليق بجناب الضيف الكريم والمرشد العظيم كشيخ ينشر طريقة الحلول إذ قال له في أدب وتواضع: إن شيوخ هذه البلاد القبائلية ما نجحوا في دعوتهم إلا لسبقهم في نشر العلم والعمل به وهذه معاهدهم ومدارسهم فيها أكبر شاهد على ما نقول وأنهم ما التفتوا إلى العامة إلا ليكونوا الخاصة وما طلبوا الأموال إلا لينشئوا الرجال وهل في مستطاعكم يا حضرة الشيخ أن تشاركوهم في بعض ما قاموا
ـ[عمود٣]ـ به من نشر العلم وتهذيب العقول فنفسح لكم في المجال حتى يكون نجاحكم مثل نجاحهم أو أكثر. وهنا أظلمت الدنيا في وجه المرشد العظيم وانطمست أمامه سبل النجاح وبهت ولم يدر كيف يجيب هذا الشيخ القبائلي ولكن ما أضمره في نفسه من تشجيع الآباء ..... وتنشيطهم إياه والاعتماد على اتخاذ وسائل نجاحهم في مهمتهم كل هذا جعله يمضي في سبيله بدون اكتراث معتمدا على تنفيد برنامجه السري لإنفاذ مئات الآلاف من أيدي إخوانه الذين مهدوا له الطريق وشجعوه سرا, فكان يدخل قرية ولا يخرج منها إلا مذموما مدحورا. وقد انخدع به بعض الطلبة فظنوه عالما بتلك الكتب المزورة التي قنع فيها بوضع اسمه وأخرجها للناس كسم في دسم فتلقوه بأسئلة علمية فكان يجيب عنها بالمغالطة إذ يقول لهم سأراجعها في مظانها ومحالها ويختلق لهم ما يستر به جهله المبين فلم ينفعه ذلك شيئا أمام الحقيقة الناصعة والخيبة المجسمة بل زادوه قائلين أتعجز عن الجواب وأنت القائل: (الكون في قبضتي فاسألوا عني الألوهية) ففضحوه شر فضيحة. ومتى حجبت الشمس أصابع اليد المرتجفة, وسيمر بك أيها القارئ الكريم ما يجعلك على بصيرة بحقيقة أمر هذا الرجل الغريب الأطوار الذي لا يفتأ يكذب على البلاد الإسلامية التي منها بلاد القبائل الزاهرة بمعاهدها الدينية وتراث علمائها العاملين منذ عهد قديم. يتبع الفتى الزواوي •...•...•...•...•...•...•...•...•...•...• المطبعة الجزائرية الإسلامية - بقسنطينة. •...•...•...•...•...•...•...•...•...•...•