للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>


الصفحة ٢
ــ
ـ[عمود:١]ـ
الرجل قد يريد الحج ليقال له الحاج فلان فيكون ذلك له سبب التوبة والإنابة. وقديما قيل: ((طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله)).
وانتقلوا في الحديث إلى من يحج مرتين أو ثلاث مرات هل يستحق لقبا أشرف من لقب ((الحاج)) الذي يحرز عليه من يحج مرة واحدة فاتفقوا على أن لقب ((الحاج)) هو لقب شريف يستوي فيه من حج مرة واحدة ومن حج مرارا عديدة. ولكن رجلا من الحاضرين فاجأهم بقوله: ماذا تقولون فيمن حج الحج الصغير هل يجوز أن يقال له يا سيدي الحاج كالذي يحج الحج الكبير أم لا يحق له أن يحرز على هذا اللقب؟ فسأل سائل: وما هو الحج الصغير؟ قال هو أن تحج إلى قبر من قبور الأولياء الصالحين مثل قبر سيدي أبي مدين الغوث في تلمسان. قال السائل: وهل يحج الناس إلى قبر سيدي بومدين هذا؟ قال: رأيت كثيرا من حجاج تلمسان متى قدموا من الحج ذهبوا توا من محطة القطار إلى ضريح سيدي أبي مدين الغوث فضلوا فيه نهارهم وباتوا فيه ليلتهم ومضوا إلى ضريح سيدي الداودي فزاروه وتبركوا به. كل ذلك قبل أن يدخلوا بيوتهم. ويعتقدون أن هذا هو الحج الأصغر فقال قائل ليس هذا هو الحج الأصغر, بل هو من مناسك الحج فقط ولهذا فإن الحاج الذي يصل المحطة فيذهب منها توا إلى داره دون أن يزور ضريح سيدي بومدين ولا ضريح سيدي الداودي فإن حجه صحيح غير باطل وله الحق في أن يقال له سيدي الحاج. وقد سألت أنا بعض العلماء عن هذه المسألة فأجابني بهذا الجواب. فتكلم أحد الحاضرين وقال: على كل حال فالحاج الذي لا يزور سيدي بومدين الغوث هو كمن أخل ببعض المناسك

ـ[عمود٢]ـ
والأركان. وتكلم أحد الطرقيين فقال: روي عن سيدي أبي مدين الغوث أنه قال: من زار قبري فقد حج الحج الصغير. فأجابه طرقي آخر من أتباع طريقة أخرى وقال:
شيخنا سيدي فلان مؤسس طريقتنا هو الذي قال: من زار ضريحي وزاويتي فكأنما حج واعتمر وزار ضريح المصطفى صلى الله عليه وسلم. فجاوبه الطرقي الأول بل هذه من خصائص شيخنا نحن أتباع الطريقة الفلانية قد اختصنا الله بها فجاوبه الطرقي الثاني بقوله: كلا, هي من مناقب شيخنا نحن وهي موجودة في كتب الشيخ فقال الأول: وأنا نفسي قرأتها في كتب طريقتنا. وهنا وقع بينهما تشاد عنيف وتنابز بالألقاب, فكل واحد يزعم أن زيارة شيخهم حيا أو ميتا هي التي تقوم مقام الحج والعمرة وزيارة ضريح الرسول صلى الله عليه وسلم. وكل واحد يزعم أن شيخه هو الذي ضمن الجنة لأتباعه ومريديه دون حساب ولا عقاب ويزعم أن شيخه قال من مات على محبتي وطريقتي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر (!) ولو كانت ذنوبه مثل زبد البحر. وكان بين الحاضرين طرقي يدعي المعرفة والعلم قد هبط القرية ((متسولا شحاتا)) يجمع الصدقات والنذور و ((الزيارات)) وحضر هذا المجلس طمعا في قبض الصدقات. فتداخل في الأمر وقال: هو أن من زار قبرا من قبور الأولياء الصالحين كان له من الأجر مثل من أحرم بعمرة فقط. وتجوز أن تكون زيارة قبر ((الولي)) بمثابة الحج في الأجر والثواب وذلك فضل الله يوتيه من يشاء. فرد عليه أحد الحاضرين وقال: يا فقيه هذا قول باطل غير صحيح فظهرت على الفقيه كل علائم التأثر والانفعال ثم قال. ولماذا؟ فقال الرجل: لو صح هذا القول لزار كل أهل بلد قبور أوليائهم

ـ[عمود٣]ـ
وصلحائهم ولتركوا الحج بالمرة والأولياء مهما كانت منزلتهم عند الله فلن يكونوا أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولن يساووه في الدرجة عند الله فهو سيد ولد آدم وأفضل المخلوقات على الإطلاق ومحال أن تكون زيارة الأولياء كزيارة ضريحه الشريف صلى الله عليه وسلم فاتق الله يا فقيه ,ولا تقف ما ليس لك به علم. فقال له الفقيه: أنت وهابي أنت تسب الأولياء, فسأله الرجل ما معنى ((وهابي))؟ ويحك يا فقيه! أما سمعت قوله تعالى: (((ولا تنابزوا بالألقاب))) , أليس قولك لي أنت وهابي هو من باب التنابز بالألقاب؟ أنا مسلم قبل كل شيء وبعد كل شيء, وأما ما زعمته من أني أسب الأولياء فهذا يا فقيه محض افتراء منك علي. فأنا لم أسبك أنت وأنت لست وليا فكيف تزعم أني أسب الأولياء حاشا لله أن أسب أحدا من الناس كائنا من كان, ولكنك أنت يا فقيه تعتبرني سببت الأولياء وتنقصتهم إذا أنا قلت أن رسول الله خير منهم وأن زيارة قبره الشريف أفضل من زيارة قبورهم. فهل هذا هو سب الأولياء في نظرك؟ وأنت أيها الفقيه إذا كنت تعتقد حقيقة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو في درجة واحدة مع ((الأولياء)) فأنت من الذين يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم وما قدروا الله حق قدره. ويحك أيها الفقيه! أهذه منزلة الرسول الأعظم عندك؟ لماذا ويحك! لا يرضيك أن يكون سيد الوجود خيرا من ((أوليائك)) وأفضل منهم؟ ولا تنس يا فقيه أني أنا أحترم الأولياء وأحبهم خيرا مما تحبهم أنت, فقال الفقيه ولماذا؟ قال الرجل لأني أحب جميع الذين سبقونا بالإيمان, ولكني لا أتغالى فيهم فلا أعتقد فيهم الألوهية ولا أعتقد أنهم جميعا يبوؤون بشسع نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ,

<<  <  ج: ص:  >  >>