للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي هذا الفضاء أخذت تحدث التفجرات المختلفة حينًا والمؤتلفة حينًا: الثورة على العقل والدين معًا، والهيام بالجسد وأشياء العالم، ورفع راية الحلم والسحر والجنون.

وفي هذا ما خلق جوًا، فكريًا واجتماعيًا، أخذ يبدو للنظام وبناه، شيئًا فشيئًا، إنه يزداد خطورة، وأنه يصبح كثر فكثر عصيًا على الترويض، لم يكن بد إذن من إدانته، هكذا سمته السياسة في "مدينة اللَّه" عالم الزندقة والشعوبية، وهكذا اعتبرت أنه انحراف ومرض، وهكذا نفته تمامًا كما فعلت الكنيسة القروسطية بالهراطقة، في مختلف أنواعهم) (١).

إن أدونيس يحاول من خلال المغالطة أن يثبت أن الشعراء في التاريخ الإسلامي وصلوا إلى العبث والغرابة واللهو والمجون والصعلكة، وهو في الحقيقة يصف أجواء الحياة الباطنية وسراديب خفافيشها، وهم الذين ذكر أنهم وصفوا بالزندقة والشعوبية، وهكذا هي هذه الأمة تنفي خبثها وتخرج أقذارها، وتلقي بهم في سلة مهملات التاريخ، وهذا ما سوف يؤول إليه -بإذن اللَّه- أدونيس وأتباعه من الحداثيين.

وفي تلمود الحداثة الذي ألفه أدونيس لهدم الإسلام واللغة العربية، جعل فصلًا خاصًا في الجزء الثاني منه سماه "الحركات الثورية: ثورة الزنج والحركة القرمطية".

وبدأ بتفسير ماركسي للفتنة من أيام عثمان رضي اللَّه عنه في سياق مليء بألفاظ محدثة، مثل "إسلاموية، عروبوية" (٢).

ويجعل التفسير الماركسي أساسًا لتسويغ ثورات الخوارج والعلويين كما سماهم، ويقصد الشيعة أهله وأصحاب ملته، ثم يضيف بأن هذه الثورات تكشفت عن حركتين (الأولى: تكشف عن نوع من البعد الطبقي


(١) المصدر السابق ٣/ ٢٦٧ - ٢٦٨.
(٢) هذه الألفاظ انتحلها فيما بعد الكاتب العلماني تركي الحمد وأصبح يرددها في مقالاته الليبرالية البرغماتية الملتصقة بالغرب وأمريكا على الخصوص.

<<  <  ج: ص:  >  >>