للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عديدة، من أجل نقد الدين والشريعة والعقيدة والوحي والقرآن، تمهيدًا للتشكيك فيها ثم إبطالها، وهذه من خطوات الباطنية المشهورة والتي كشفها العلماء المسلمين من قديم، ومما يؤكد أنه جعل ذلك من أجل نقد الدين والتشكيك أنه أعقب ذلك بذكر الملاحدة ابن الراوندي والرازي الملحد.

الخامس: أنه ربط هذا الهاجس بالمرتكز الذي يحوم حوله وهو التيارات الإلحادية، وحركات الزندقة والشعوبية وطليعتها الحركة القرمطية، وهو ربط صحيح من جهة أنهم كانوا ضد هذه الملة، ساعين في هدمها وإبطالها وإبعاد الناس عنها، وباطل من وجه أنه جعل التجديد والإبداع مربوطًا بهم، وهم في الحقيقة أبعد ما يكونون عن ذلك، وحتى لو افترضنا أنهم كذلك فإن المراد الأساسي من كل ذلك الدعاية الملتفة لهذه الفرق والحركات الهدامة.

وقد أعقب ذلك النص بنص آخر يوضح أن مراده: ملته وعقيدته، وليس دعوى الإبداع والتجديد والتحديث إلّا ستارة يتحرك من خلفها، وهو دأب الباطنيين في كل تاريخهم.

يقول: (ويبدو لي أن الفكرة الأساس في نزعة الحداثة على الصعيد الشعري، في المجتمع العربي تكمن في إدراك التماثل بين اللغة والعالم، بوجهيه: الظاهر والباطن، الموضوعي والذاتي) (١).

إلى أن يقول -ممجدًا أي خروج عن الدين-: (لم يعودوا بدءًا من ذلك ينظرون إلى الكون من حيث هو مجموعة من الإشارات والرموز والصور، ولم يعد العالم مكتوبًا في نص أصلي أولي، بشكل نهائي، وإنّما أصبح كتابًا يكتب باستمرار، هكذا تراجعت المفهومية الكلية، وتراجع عالم الكل أمام الشيء المفرد، وأمام الجزئية وعالم الأجزاء، وأخذ الوعي بالموت يعصف بحياة الشعراء ويملؤها بشرارات العبث والغرابة، وصار اللهو والمجون والتشرد والصعلكة فضاء يتنشق فيه الشعراء هواءهم الطيب الأخير،


(١) الثابت والمتحول ٣/ ٢٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>