للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرابع: جعل أسس هاجس الحداثة في التراث: إدانة التقليد والمحاكاة، ونشوء مفهوم للزمن يغاير المفهوم الديني، وإحلال حركية النقد محل سلفية الأصول، وجعل النقد موضوعًا لا يستند إلى حقيقة ماضية ثابتة، وكل جملة من هذه الجمل تحتاج إلى بسط في الرد، ولكن نقول في الجملة، لو صح أنهم نقدوا التقليد والمحاكاة، فإنّما نقدوها ضمن إطار الدين الإسلامي، الذي يحاول أدونيس والحركة الحداثية نفيه وإبادته باسم نقد التقليد والمحاكاة، مع أن أدونيس ذاته من أعظم المقلدين والمحاكين في هذا الزمان، فقد قلد الأوروبيين بل وسرق أفكارهم وكلماتهم وانتحلها لنفسه هكذا في وضح النهار، وقد كشفه صاحب كتاب "أدونيس منتحلًا" ومؤلف كتاب "أفق الحداثة وحداثة النمط" (١) وغيرهما، ومن أبرز وأظهر علائم التقليد والمحاكاة ما نحن بصدده الآن.

فهو يريد إثبات عقائد أجداده الباطنيين، ولكن عن طريق الحداثة الفنية والأدبية، وهذا عين المحاكاة، فضلًا عما ذكرناه في هذا الفصل من محاكاته للوثنيين والجاهليين وأصحاب الأساطير.

أمّا نشوء مفهوم للزمن يغاير المفهوم الديني فلم يبين ما الفرق بين الأمرين، وعلى كل حال فخالق الزمن هو منزل الدين والشرع، ولا يُمكن أن يتناقض هذا مع هذا، وإن تناقض في أفهام بعض الناس.

أمّا إحلال حركية التقدم محل سلفية الأصول، فهذه دعوى ذرائعية يريد الوصول من خلال هذه الألفاظ المفخمة إلى ترك الدين ومحاربة السنة وهجر ميراث السلف، وقد قدم دعوى باطلة وجعلها في ذات الوقت دليلًا، وهذا غاية في الاعتساف، أضف إلى ذلك أنه لم يتخل عن أصول أسلافه الباطنيين فأين هو من هذه الدعوى؟.

أمّا نقد الحقيقة الماضية الثابتة فهي مقدمته الدائمة والمكررة بألفاظ


(١) انظر: كتاب أدونيس منتحلًا لكاظم جهاد، وكتاب أفق الحداثة وحداثة النمط لسامي مهدي.

<<  <  ج: ص:  >  >>