للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه النشأة والشروط الحياتية للبشر الذين ينتمون إليها، لقد أعطت للدين وتعاليمه مفهومًا ماديًا) (١).

ومن الملاحظ أن هذه النظرة إلى ربط الدين بالظروف الحياتية وتغييره وفقها، هي التي يقول بها أكثر العلمانيين العرب اليوم، وينادون به وعلى رأسهم حسن حنفي ونصر أبو زيد.

ثم يأتي أدونيس على المحور الذي يدور من أجل ترسيخه، وهو أن الحياة أولًا ثم الدين، وأن الحياة هي التي تحدد الوعي وتطوره وتجدده وليس الدين، وأن التاريخ هو تاريخ الحياة، وليس تاريخ الدين، وأنه بذلك تطور الوعي من أسفل إلى أعلى، وأن هذا الإنجاز الذي قامت به الحركة القومطية والحركة الثورية بعامة يمثل صراعًا بين الثابت والمتحول والقديم والجديد (٢)؟!.

وهو الأسلوب الدعائي الدعائي نفسه الذي دأب أدونيس على استعماله، فهو يقرر القضية كمسلمة، ثم يشرح حولها ويضيف، ويلبسها العبارات الفضفاضة، ثم يلقيها هكذا وكأنها حقيقة لا تقبل النقاش.

وعلى كل حال هو هنا يؤكد إعجابه بالباطنية، وسعيه لجعل الباطنية مرادفة للوعي والتطور والتجديد ومناقضة الثبات، الذي كان قد سعى وأشباهه إلى جعله مذمة، يبرأ منها البلهاء ظنًا منهم أن البراءة من الثبات يعني أنهم أصبحوا متحولين ومجددين وإبداعيين، في غبار من المفاهيم الضبابية الخادعة الملقاة على عيون عشيت عن الهدى، فانقادت لهذا الضلال والردى. وتقرأ له بعد هذه الأغاليط النتيجة المرادة من هذا السياق كله، حيث يقول: (وبفضل الحركة الثورية يُمكن القول إن وعي التاريخ العربي أصبح يقوم على اعتباره نموًا متدرجًا من وضع أدنى إلى وضع أعلى، وليس العكس، كما كان يتصور منظرو القديم. . .) (٣).


(١) المصدر السابق ٢/ ٩٩.
(٢) انظر: المصدر السابق ٢/ ٦٩ - ٧٠.
(٣) المصدر السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>