للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى حرف ميت، أن الوقوف عند ظاهر النص يؤدي إلى هذا التشيؤ، ويحول الدين إلى أشكال طقوسية من عبادات ومعاملات، كما هو الشأن في المنظور الفقهي، ومن هنا يعطي القول بالباطن للدين حركبة لا تتناهى، لأنه يصبح في المنظور الأمامي، تحركًا في اتجاه ما لا ينتهي، فالفرق بين الدين في المنظور الفقهي الظاهري، والدين في المنظور الباطني الإمامي، كالفرق بين الماء المتموج على سطح البحر، وحركة الماء المتفجر في أغواره، أو كالفرق بين الظل والأصل، الفرع والجذر، فالظاهر ليس إلّا صورة من صور الباطن، وبما أن الباطن لا نهاية له فلا يُمكن أن تحده صورة واحدة، بل لا يُمكن أن تحده الصور. . .

وهكذا تكون الإمامة بمثابة التقاء بين الزمني الذي هو الظاهر أو الشريعة، والأبدي الذي هو الباطن أو الحقيقة، بين المتغير والثابت، المنتهي واللامنتهي، الإمامة هي بمعنى آخر، تزامن الجوهر والمظهر، فالباطن إذن لا ينفي الظاهر، واتما يعطيه معناه الحقيقي، وهو يثبته فيما يعطيه هذا المعنى، الباطن هو النور الذي يكشف ويضيء وهو المعنى الذي يعطي للوجود صورته، أي: قيمته ودلالته) (١).

بهذا النص يتضح لكل صاحب عقل وبصيرة أن أدونيس باطني اعتقادي تجري الباطنية وأهواؤها في عروقه، وتمازج روحه، وتستولي على، فكره فيراها الحقيقة والتطور والحركية اللامتناهية، والإمامة فيها هي الحضور الإلهي والأصل والجذور والماء المتفجر في الأغوار، أمّا عقيدة المسلمين القائمة على الوحي وهدي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فهي -عنده- ظاهر جامد وأشكال طقوسية وفرع وظل وسطحية. . . إلى آخر أوصافه.

ولو لم يقل أدونيس هذا القول لكان في أقواله الأخرى وما فيها من إشارات وإيماءات، دلالة على منزعه الباطني النصيري، فكيف إذا انضاف إلى ذلك هذا النص الصريح؟.


(١) المصدر السابق ٢/ ٩١ - ٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>