للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجهين، قد يبدوان للوهلة الأولى متناقضين: الأول باطني - إلهامي، والثاني: علمي - تجريبي، فهو من الناحية الأولى، يتصل بالمنحى الإمامي في الثقافة العربية. . .) (١).

وسواء أكان جابر بن حيان كذلك أو لم يكن، أو كان شخصية حقيقة أو شخصية مختلقة، فالمراد عند أدونيس هنا التركيز على الجانب الباطني، وإشادته به وتعويله عليه؛ لأنه يشكل له رصيدًا تاريخيًا، ويقوي جانب عقائده الباطنية، ويؤسس امتدادات متماهية مع هذا الاتجاه.

بيد أن من أصرح نصوصه التي تؤكد عودته إلى منبعه الباطني ومحاولة مد فروع الباطنية الضالة إلى الحياة الثقافية من خلال الأدب الحديث وخاصة الشعر، قوله: (تتصل التجربة الصوفية، في شكلها الأعمق والأكمل، بالتجربة الباطنية الإمامية، فهذه التجربة الأخيرة تقوم على تجاوز التاريخ المكتوب، ذلك أنها تتجه إلى المستقبل وتنتظر المجيء، وعلى تجاوز الظاهر المنظم في تعاليم وعقائد، ذلك أنها تتجه إلى باطن العلم، وتعني بمعناه الخفي أو المستور، وعلى تجاوز المنطق وأحكامه، ذلك أنها تصدر عن النبوة ولدنية العلم.

ولئن كانت النبوة المحمدية خاتمة النبوات، فإنها خاتمة الظاهر، ذلك أن لها ما يتممها في الباطن وهو الإمامة أو الولاية، فالولاية بهذا المعنى، هي باطن النبوة، النبوة بتعبير آخر هي الشريعة، أمّا الولاية فهي الحقيقة، وهكذا يكون الإمام ينبوع المعرفة الكافية فيما وراء النص.

وهذا يعني أن إدراك الحقيقة لا يتم استنادًا إلى العقل أو إلى النقل، لأن الحقيقة ليست في ظاهر النص، وإنّما يتم عن طريق تأويل النص بإرجاعه إلى أصله، والكشف عن معناه الحقيقي، والتأويل مرتبط بعارف يدرك المعنى الباطن، وهذا العارف هو الإمام، فالإمامة هي الحضور الإلهي المستمر الذي يحول دون تشيؤ الحقيقة في مؤسسات وتقاليد وتشريعات، وتحولها بالتالي،


(١) المصدر السابق ٢/ ٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>