وقد يظهر بأول النَّظر أن هذا الوجه الثاني أرجح؛ لما ثبت في الأصول العلمية: أن كل مزيَّة أعْطِيها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن لأمته أنموذجًا منها، ما لم يدل دليل على الاختصاص (ب)، كما ثبت أن كل ما عمل به عليه السلام؛ فإن اقتداء الأمة به مشروع؛ ما لم يدل دليل على الاختصاص. إلا أن الوجه الأول أيضًا راجحٌ من جهة أخرى، وهو إطْبَاقُهم على الترك، إذ لو كان اعتقادُهم التَّشريع؛ لعَمِل بعضُهم بعده، أو عملوا به -ولو في بعض الأحوال-: إمَّا وقوفًا مع أصل المشروعيَّة، وإما بناءً على اعتقاد إنتفاء العلَّة الموجبة للامتناع. وقد خرَّج ابن وهب في "جامعه" من حديث يونس بن يزيد عن ابن شهاب؛ قال: حدثني رجل من الأنصار: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا توضأ أو تنخَّم؛ ابتدر مَن حوله من المسلمين وَضوءَه ونُخامَتَه، فَشَرِبُوه، ومسحوا به جلودهم، فلما رآهم يصْنَعُون ذلك؛ سألهم: "لم تفعلون هذا؟ ". قالوا: نلتمس الطهور والبركة بذلك. فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من كان منكم يحب أن يحبَّه الله ورسوله؛ فلْيَصْدُق الحديث، ولْيُؤدِّ الأمانةَ، ولا يُؤذَ جاره" (ج). فإنْ صَح =