للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه"، هو برفع (يغتسل)، هكذا الرواية فيه بالرفع، ومعناه: ثم هو يغتسل منه؛ أي: شأنه الاغتسال منه، ومعناه: النهي عن البول فيه سواء أراد الاغتسال منه أم لا، وقيل (١): يجوز جزمه عَطْفًا على (لا يبولن)، ونصب على تقدير أن (ثم) بمعنى واو الجمع، وتجويز النصب فاسد، فإنه يقتضي أن المنهي عنه الجمع بينهما دون إفراد أحدهما (٢)، كقوله:


(١) هذا قول شيخ الشارح الإمام في العربية ابن مالك الطائي، قال في كتابه "شواهد التوضيح والتصحيح" (ص ١٦٤):
"قلت: يجوز في "ثم يغتسل" الجزم عطفًا على "يبولن" لأنه مجزوم الموضع بـ (لا) التي للنهي، ولكنه بني على الفتح لتوكيد النون.
ويجوز فيه الرفع على تقدير: ثم هو يغتسل فيه.
ويجوز فيه النصب على إضمار (أن) وإعطاء (ثم) حكم واو الجمع.
ونظيره "ثم يغتسل" في جواز الأوجه الثلاثة، قوله تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ (١٠٠)} [النساء: ١٠٠]. فإنه قُرِئ بجزم يدركه ورفعه ونصبه، والجزم هو المشهور، والذي قرأ به السبعة، وأما الرفع والنصب، فشاذان".
قلت: وما ذهب إليه من جواز النصب بـ (أن) مضمرة بعد (ثم) هو رأي الكوفيين، خلافًا للبصريين فإنهم لا يجيزون ذلك.
ولذا قال ابن هشام في "مغني اللبيب" (١/ ١١٩) متعقِّبًا النووي: "فتوهم تلميذه الإمام أبو زكريا رحمه الله أن المراد إعطاؤها حكمها في إفادة معنى الجمع"، قال منتصرًا لابن مالك:
"وإنما أراد ابن مالك إعطاءها حكمها في النَّصب، لا في المعية أيضًا، ثم ما أورده إنما جاء من قبل المفهوم لا المنطوق، وقد قام دليل آخر على عدم إرادته"، وانظر ما سيأتي قريبًا.
انظر: "مغني اللبيب" (١/ ١١٩)، "شرح التصريح على التوضيح" (٢/ ٢٥٢).
(٢) ضعفه ابن دقيق العيد في "الإحكام" (١/ ٢٣) و"شرح الإلمام" (١/ ٣٦٤) بأنه لا يلزم أن لا يدل على الأحكام المتعددة لفظ واحد، فيؤخذ النهي عن =

<<  <   >  >>