وقد نقل هذه الكلمة -وهي شبيهة بكلامه هنا- الحافظ ابن حجر في "النكت" (١/ ٤٤٤ - ٤٤٥) ثم قال: "قلت: وهذا هو التحقيق" لكنه خالف ذلك في مواضع من "شرح المهذب"، وغيره من تصانيفه، فاحتج بأحاديث كثيرة من أجل سكوت أبي داود عليها، فلا يغتر بذلك". قال أبو عبيدة: وهنالك مأخذ آخر مهم على كلام النووي السابق! وهو: أنه أشعر أن للعارف النظر في قسم واحد مما سكت عليه أبو داود، وهو ما وصفه أحد غيره بالضعف، ولذا تعقبه السخاوي في "فتح المغيث" (١/ ٧٦) فقال -بعد أن نقل كلامه المَزْبورِ هنا بتصرف-: "وما أشعر به كلامه من التفرقة بين الضعيف وغيره فيه نظر. والتحقيق التمييز لمن له أهلية النظر، وردّ المسكوت عليه إلى ما يليق بحاله من صحةٍ وحسنٍ وغيرهما كما هو المعتمد، ورجحه هو -أي النووي- وإن كان رحمه الله قد أقرّ في مختصرَيه -أي: "الإرشاد" و "التقريب"- ابن الصلاح على دعواه هنا -أي بتحسين ما سكت عليه أبو داود-". ثم قال: "وممن لم يكن ذا تمييز؛ فالأحوط أن يقول في المسكوت عليه (صالح) كما هي عبارته"!! وانظر ما قدمناه سابقًا عن شيخنا الألباني رحمه الله تعالى. (١) هو محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن منده (ت ٣٩٥ هـ) وكلامه في كتابه "شروط الأئمة" (٧٣) قال على إثر سماعه من محمد بن سعد البارودي بمصر قوله: "كان من مذهب النسائي أن يخرِّج عن كل مَنْ لم يجمع على تركه". قال: "وكان أبو داود السِّجستاني كذلك يأخذ مأخذه، ويخرج الإسناد الضعيف؛ لأنه أقوى عنده من رأي الرجال"، فليس عنده "إذا لم يجد في الباب غيره"، مع أنها في "التقريب" للنووي، وذكرها ابن الصلاح في "علوم الحديث" (ص ٣٣/ ٣٤) وهي في "النكت على ابن الصلاح" (١/ ٣٢٢) و "توضيح الأفكار" (١/ ٢١١). ونقل المنذري في "مختصر سنن أبي داود" (٨/ ١٤٩) عن ابن منده قوله: "إن شرط أبي داود إخراج حديث قوم لم يجمع على تركهم إذا صحّ الحديث باتصال الإسناد من غير قطع ولا إرسال".