للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قصة أريب بنت إسحاق زوج عبد الله بن سلام القرشي وكان عبد الله بن سلام هذا والياً لمعاوية على العراق وكانت أريب هذه من أجمل النساء وقتها وأحسنهن أدبا وأكثرهن مالاً وكان يزيد بن معاوية قد سمع بجمالها وبما هي عليه من الأدب وحسن الخلق والخلق ففتن بها فلما عيل صبره استهاج في ذلك مع أحد خصيان معاوية وكان ذلك الخصي خاصاً بمعاوية اسمه رفيف فذكر ذلك رفيف لمعاوية وذكر شغفه بها وأنه ضاق ضرعه بأمرها فبعث معاوية إلى يزيد فاستفسره عن أمره فبعث له شأنه فقال معاوية مهلاً يا يزيد قال له علام تأمرني بالمهل وقد انقطع منها الأمل قال له معاوية فأين حجاك ومروءتك فقال له يزيد قد عيل الحجا ونفد الصبر ولو كان أحد ينتفع به من الهوى لكان أولى الناس بالصبر عليه داود حين ابتلى به قال له اكتم يا بني أمرك فإن البوح به غير نافعك والله بالغ أمره فيك ولا بد مما هو كائن وكانت أريب بنت إسحاق مثلاً في أهل زمانها لجمالها وتمام كمالها وشرفها وكثرة مالها فأخذ معاوية في الحيلة حتى يبلغ يزيد رضاه فيها فكتب معاوية إلي عبد الله بن سلام وكان استعمله على العراق أن أقبل حين تنظر كتابي لأمر فيه حظك أن شاء الله تعالى ولا تتأخر عنه وأجد السير وكان عند معاوية يومئذ بالشام أبو هريرة وأبو الدرداء صاحبا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قدم عليه عبد الله بن سلام الشام أمر معاوية أن ينزل منزلا قد هيأه وأعد فيه نزله ثم قال لأبي هريرة وأبي الدرداء إن الله قد قسم بين عباده نعما أوجب عليهم شكرها وحتم عليهم حفظها فحباني منها عز وجل بأتم الشرف وأفضل الذكر وأوسع على رزقه وجعلني راعي خلقه وأمينه على بلاده والحاكم في أمر عباده ليبلوني أأشكر أم أكفر وأول ما ينبغي للمرء أن يتفقده وينظر فيه من استرعاه الله أمره ومن لا غناية عنه وقد بلغت لي ابنة أريد أناكحها وأنظر في تبجيل من يباعلها لعل من يكون بعدي يقتدي بي في هديتي ويتبع فيه أثرى فإنه قد يلي هذا الملك بعدي من يغلب عليه زهو الشيطان ويزينه إلى تعطيل بناتهم ولا يرون لهن كفؤا ولا نظيرا وقد رضيت لها عبد الله بن سلام القرشي لدينه وشرفه وفضله ومروءته وأدبه، فقال أبو هريرة وأبو الدرداء: إن أولى الناس برعاية نعم الله وشكرها وطلب مرضاته فيما خصه منها لأنت أنت صاحب رسول الله وكاتبه وصهره وقال معاوية فاذكروا ذلك عني وقد كنت جعلت لها في نفسها شورى غير أني لأرجو ألا تخرج من رأيي إن شاء الله تعالى فخرجا من عنده متوجهين إلى منزل عبد الله بن سلام بالذي قال لهما معاوية ثم دخل معاوية على ابنته فقال لها إذا دخل عليك أبو الدرداء وأبو هريرة فعرضا عليك أمر عبد الله بن سلام وانكاحي إياك منه فأحرصي على المسارعة إلى هواي وقولي لهما عبد الله بن سلام كفؤ كريم وقريب حميم غير أن تحته أريب بنت إسحاق وأنا خائفة أن يعرض لي من الغيرة ما يعرض للنساء فأنال منه ما يسخط الله فيه فيعذبني عليه ولست بفاعلة حتى يفارقها فلما ذكر ذلك أبو هريرة وأبو الدرداء لعبد الله بن سلام وأعلماه بالذي أمرهما معاوية فردهما إلى معاوية خاطبين منه فقال قد تعلمان رضاي به وحرصي عليه وقد كنت أعلمتكما الذي جعلت لها في نفسي من الشورى فادخلا عليها وأعرضا الذي رأيت لها عليها فدخلا عليها وأعلماها ذلك وأعلماها بالذي ارتضاه أبوها فقالت كالذي قال أبوها فأعلما عبد الله بن سلام بذلك فلما ظن أنه لا يمنعها منه إلا افتراق أريب أنشدهما على طلاقهما وبعث إليهما خاطبين وأعلما معاوية الذي كان من فراق عبد الله بن سلام امرأته طالباً رضاها فأظهر معاوية كراهيته لفعله وقال لهما ما استحسن له طلاق امرأته ولا أجبته فانصرفا في عافية ثم عودا إلينا فيها ونأخذ إن شاء الله رضاه وكتب إلى يزيد ابنه يعلمه بما كان من طلاق عبد الله بن سلام لأريب بنت إسحاق فلما عاد أبو هريرة وأبو الدرداء إلى معاوية أمرهما بالدخول على ابنته وسؤالها عن رضاها تبريا من الأمر ونظرا في القدر ويقول لم يكن لي أن أكرهها وقد جعلت لها الشورى في نفسها فدخلا وأعلماها بطلاق عبد الله بن سلام امرأته ليسراها وذكرا من فضله وتمام مروءته وكريم محمدته فقالت جف القلم بما هو كائن وأنه في قريش لرفيع القدر وقد تعرفان أن التزويج جده جد وهزله جد والأناة في الأمور ممن لا يخاف فيها من

<<  <   >  >>