للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحكى: القاضي شهاب الدين بن فضل الله العمري في كتابه مسالك الأبصار في ممالك الأبصار في ممالك الأمصار في ترجمة الأمر بأحكام الله أبى على المنصور في المجلد الرابع والعشرون منه أن الأمر باله بينا هو في موكبه قبلى بركة الحبش إذ تقدمهم فمر برجل على باب بستان له وحوله عبيد وموال له فاستسقاه ماء فسقاه فلما شرب قال يا أمير المؤمنين قد أطعمتني في السؤال فإن رأى أن يكرمني بنزوله لأضيفه فقال ويحك معي الموكب فقال وأولئك يا أمير المؤمنين فنزل فأخرج الرجل مائة بساط ومائة نطع ومائة وسادة ومائة طبق فاكهة ومائة جام حلوى ومائة زبدية أشربة سكرية كلها فبهت المر وقال أيها الرجل خبرك عجيب فهل علمت بهذا فأعددت له فقال لا والله يا أمير المؤمنين وإنما أنا رجل تاجر من رعيتك لي مائة خطية فلما أكرمني أمير المؤمنين بنزوله عندي أخذت من كل واحدة شيئاً من فرشها وبعض أكلها وشربها ولكل واحدة في كل يوم طبق فاكهة وطبق طعام وطبق بوارد وجام حلوى وزبدية شراب فسجد الأمر شكراً لله وقال الحمد لله الذي جعل في رعايانا من يسع حاله هذا ثم أمر له بما في بين المال من الدراهم ضرب تلك السنة فكان ثلاثة آلاف ألف وسبعمائة ألف ثم لم يركب حتى أحضرها وأعطاها للرجل وقال استعن بهذه على حالك ومرءوتك ثم ركب وانصرف، ولما زوج الحجاج محمد بن الحجاج قال لأصنعن طعاماً لم يسبقني إليه الأولون ولا يدركه الآخرون فقيل له لو بعثت إلى المدائن فسألت كيف صنع كسرى فتعمل على مثال ذلك فأرسل إلى بعض من أدرك ذلك فقال أخبرني عن الطعام الذي صنعه كسرى فقال ما أكثر ما كان يصنعه من الطيبات قال أطيبه قال حين تزوج هند ابنة بهرام كتب إلى عماله في الآفاق ليقدم على كل رجل منكم ويخلف وإلى شرطته على بلده فرأى عنده أثنى عشر ألفاً فأطعمهم في ثلاثة أيام كل يوم ألف خوان يقعدون على بسط الديباج المنسوجة بالذهب وكلما أكلوا أتى كل واحد منهم بمثقال مسك فيغسل يده به فلما قاموا بعث بتلك الآنية والبسط فقسمت عليهم فقال الحجاج أفسدت على لعنك الله أذهبوا فاشتروا الجزر فانحروها في مربعات واسط وكان قد أمر بالنداء بالحضور فحضرها الناس وذلك في أشد الحر وكثرة الذباب فاستغنى أهل الدعوة عن المراوح ولم يجدوا ذبابة واحدة وكان قد عمد إلى المرافق التي في المجالس فنصب فيها أحجار الثلج وكانت الريح تفضى إليها من باذهنجات فيخرج نسيمها إلى المجالس والصحون وسئل عن عدم الذباب فقيل إنه اشترى قبل الدعوة من دور الجيران ما يمكن سرؤاه واستعار الباقي وطلي حيطانها بعسل قصب السكر فاشتغل الذباب به وانقطع عن داره فلما انقضت أيام الدهوة ردت جميع الدور إلى أربابها.

وعلى ذكر الذباب فلا بأس بايراد نكتة غريبة وموعظة عجيبة وهي أن الحاكم الذي كان خليفة بمصر وادعى انه من ولد فاطمة (وبنى المسجد الجامع بالقاهرة المعزية المجاور لباب الفتوح فسد حاله في آخر أمره وادعى الإلهية وكتب بسم الحاكم الرحمن الرحيم وجميع الناس للإيمان به وبذل لهم نفائس الأموال وغن ذلك كان في فصل الصيف والذباب يتراكم على الحاكم والخدام تدفع الذباب ولا يندفع فقرأ بعض القراء وكان حسن الصوت (يأبها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وغن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ما قدروا لله حق قدره) فاضطرب الحاضرون بسماع هذه الآية حتى كان الله تعالى أنزلها تكذيبا للحاكم في دعوى الإلهية وسقط الحاكم من على سريره خوفاً من أن يقتل وولي هاربا وأخذ في استجلاب ذلك الرجل إلى أن طمنه وسيره في صورة رسول إلى بعض الجزائر وأمر الريان أن لا يسير به غير ثلاثة أيام ويغرقه فلما غرق رئى في المنام فقيل له ما وجدت فقال ما قصر معي الريان أرسى بي على باب الجنة.

<<  <   >  >>