للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فائدة جليلة: ذكر التوحيد في كتاب الامتناع والمؤانسة من أدمن الأكل والشرب في أواني النحاس أفسدت مزاجه وعرضت له أمراض صعبة وإن أدنيت أواني النحاس من السمك شممت لها رائحة كريهة وإن كبت آنية النحاس على سمك مشوي أو مطبوخ بحرارتهما ما حدث منه سم قاتل، ومنه قيل لصوفي ما حد الشبع قال لا حد له ولو أراد الله تعالى أن يؤكل بحد لبين كما بين جميع الحدود وكيف يكون للأكل حد والآكلة مختلفون بالطباع والمزاج والعارض والعادة وحكمة الله تعالى ظاهرة في إخفاء حد الشبع حتى يأكل من شاء على ما شاء كما شاء، وقيل لفقيه ما حد الشبع قال ما نشط على أداء الفرائض وثبط عن إقامة النوافل، وقيل لمتكلم ما حد الشبع قال حده ما يجلب النوم ويضجر القوم ويبعث على البكوم، وقيل لإعرابي ما حد الشبع قال أما عندكم يا حاضرة فلا أدري وأما عندنا في البادية فما وجدت العين وامتدت إليه اليد ودار عليه الضرس وطلبت له اللهاة وأساغه الحلق وانتفخ له البطن واستدارات عليه الحوايا واستغاثت منه المعدة وتقوست منه الأضلاع والتوت منه المصارعين وخشيت منه الموت، وقيل لملاح ما حد الشبع قال حد السكر قيل فما حد السكر قال أن لا تعرف السماء من الأرض ولا الطول من العرض، وقيل لمدني ما حد الشبع فقال لا عهد لي به فأحده فكيف أصف ما لا أعرف، وقيل لسمر قندى ما حد الشبع فقال إذا جحظت عينك وبكم لسانك وثقلت حركتك وازجحن بدنك وزال عقلك فأنت في أوائل الشبع قيل إذا كان هذا أوله فما آخره قال أن تنشق نصفين، قيل لحمال ما حد الشبع قال إني أواصل فما أعرف الحد ولو كنت انتهي لوصفت الحال فيه أعني ساعة أعجن الدقيق وساعة أمل الملة وساعة أثؤد وساعة آكل وساعة أشرب لبن اللقاح فليس لي قرار فأدري أني بلغت الشبع إلا أني أعلم في الجملة أن الجوع عذاب وان الأكل رحمة وأن الرحمة كلما كانت اكثر كان العبد إلى الله أقرب والله عن العبد أرضى، قال إسحاق كنت يوماً عند أحمد بن يوسف فدخل علينا أحمد بن أبي خالد فجرى ذكر الغناء فقال لا والله لا أجد شيئاً مما أنتم فيه فهان علىّ وخف في عيني فقلت له مالمستهزئ به جعلت فداك قصدت إلى أرق شيء خلقه الله وألينه على القلب والأذن وأظهره للسرور والفرح وأنفاه للهم والحزن وما ليس للجوارح منه مؤنة إنما يقرع السمع وهو منه على مسافة فتطرب له النفس فذممته ولكنه كان يقال لا يجتمع في كل رجل شهوة كل لذة وبعد فإن شهوة كل رجل على قدر تركيبه ومزاجه قال أجل أما أنا فالطعام الرقيق أعجب إليّ من الفناء فقلت أي والله ولحم البقر والجواميس والتيوس الجبلية بالباذنجان المبزر أيضاً تقدمه فقال الغناء مختلف فيه قد كرهه قوم قلت فالاختلاف فيه من أطلقه لنا حتى يجتمعوا على تحريمه أعلمت جعلت فداك أن الأوائل كانت تقول من سمع الغناء على حقيقة مات فقال اللهم لا تسمعناه على حقيقته إذن فنموت فاستظرفته في هذه اللفظة وقدموا إليه الطعام فشغله عن ذم الغناء.

نظر بعضهم إلى مائدة بخيل يوضع عليها دجاجة فلا تمس ثم ترد من الغد فلما مضت عليها أيام قال يا أخي هذه الدجاجة عمرها بعد موتها أطول من عمرها حال حياتها، ولقي رجل أبا الحرث جمين وقد تعلق به غلام فقال يا أبا الحرث من هذا فقال غلام الفضل بن يحيى كنت عند مولي هذا بالأمس فقدم إلينا مائدة عليها رغيفان قد عملا من نصف خشخاشة وثريدة في سكرجة وخبيص في مسعط فتنفست الصعداء فدخل الخوان وما علق منه في أنفي فمولاه يطالبني بالقيمة قال الرجل استغفر الله مما تقول فأومي إلى غلام كان معه فقال غلامي هذا حران لم يكن ما قتله صحيحاً ولو أن عصفوراً وقع على بعض قشور ذلك الخشخاش الذي عمل منه ذلك لما رضى مولي هذا حتى يؤتى بالعصفور مشوياً بين رغيفين والرغيفان من عند العصفور ثم قال وعليه المشي إلى بيت الله الحرام إن لم يكن إذا عطش بالفرعاء رجع إلى دجلاء العوراء حتى يشرب منها صحيحاً ولو أن مولى هذا كلف في يوم قائط أن يصعد على سلم من رمل حتى يبلغ كواكب بنات نعش فيلطقها كوكبا كوكبا لكان ذا أسهل عليه من أن يشم شام تلك الثريدة أو يذوق ذائق تلك الخبيصة فقال الرجل عليك لعنة الله وعليه إن كان سمع بمثل هذا.

<<  <   >  >>