والفعلة وكان المستحث على عمارته أخوه بعده وولي عهده من بعده سليمان بن عبد الملك ويقال إن الوليد بعث إلى ملك الروم يطلب منه صناعا في الرخام وغير ذلك ليعمروا هذا المسجد على ما يريد وأرسل يتوعده لئن لم يفعل ليغزون بلاده بالجيوش وليخربن كل كنيسة في بلاده حتى كنيسة القدس وكنيسة الرها وسائر آثار الروم فبعث الملك صناعا كثيرة جدا وكتب إليه يقول له إن كان أبوه فهم هذا الذي تصنعه وتتركه فإنه لوصمة عليك وإن لم يكن فهمه وفهمته أنت فإنه لوصمة عليك فلما وصل ذلك إلى الوليد أراد أن يجيب عن ذلك واجتمع الناس عنده وكان فيهم الفرزدق الشاعر فقال أنا أجيبه يا أمير المؤمنين من كتاب الله قال وما هو ويحك قال قوله تعالى (ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما) فأعجب ذلك الوليد فأرسل به جوابا لملك الروم ولما أراد الوليد بناء القبة التي في وسط الرواقات عن يمينها وشمالها كالأجنحة لها حفروا لأركانها حتى وصلوا إلى الماء وشربوا منها عذبا زلالا ثم إنهم وضعوا فيه جرار الكرم وبنوا فوقه بالحجارة فلما ارتفعت الأركان بنوا عليها القبة فسقطت فقال الوليد لبعض المهندسين آمر لك أن تبن لي هذه القبة فقال على أن تعطيني عهد الله وميثاقه أن لا يبنيها أحد غيري ففعل فبنى الأركان ثم غلفها بالبواري وغاب سنة كاملة لا يدري الوليد أين ذهب فلما كان بعد السنة حضر فهم الوليد به فأخذه ومعه رؤوس الناس فكشف البواري عن الأركان فإذا هي قد هبطت بعد ارتفاعها حتى ساوت الأرض فقال له من هذا أبيت ثم بناها فانعقدت وقال بعضهم أراد الوليد أن يجعل بيضة القبة من ذهب خالص ليعظم بذلك شأن المسجد فقال له المعمار إنك لا تقدر على ذلك فضره خمسين صوتا وقال ويلك أنا أعجز عن ذلك قال نعم قال فبينا ذلك فأمر فأحضر من الذهب ما سبك منه لبنة فإذا هي قد دخلها ألوف من الذهب فقال يا أمير المؤمنين أنا أريد من هذا كذا وكذا ألف لبنة فإن كان عندك ما يكفي ذلك عملناه فلما تحقق الوليد صحة قوله أطلق له خمسين دينارا ولما سقف الوليد الجامع جعل لسقفه جملونات وباطنها مسطح مقرنص بالذهب فقال له بعض أهله أتعبت الناس بعدك في تطيين هذا المسجد كل عام فأمر الوليد أن يجمع ما في بلاده من الرصاص ليجعل عوض الطين ويكون أخف على السقف فجمع من كل ناحية من الشام وغيره من الأقاليم فعازوا فإذا عند امرأة قناطير مقنطرة فساوموها فيه فأبت أن تبيعه إلا بوزنه فضة فكتبوا إلى أمير المؤمنين بذلك فقال اشتروه منها ولو بزنته فلما بدا له ذلك قالت أما إذا قلتم ذلك فهو صدقة لله تعالى يكون في سقف هذا المسجد فكتبوا على ألواحها بطابع لله ويقال إنها كانت إسرائيلية وأنه كتب على الألواح التي أخذت منها الذي أعطتهم الإسرائيلية وقال محمد بن عائد سمعت المشايخ يقولون ما تم المسجد بدمشق إلا بأداء الأمانة لقد كان يفضل عند الرجل من القرمة بعنون الفعلة الفلس ورأس المسمار فيجيء حتى يضعه في الخزانة وقال بعض المشايخ بدمشق ليس بالجامع من الرخام شيء إلا الرخامتان اللتان في المقام من عرش بلقيس والباقي مرمر وقال بعضهم اشترى الوليد بن عبد الملك أمير المؤمنين العامودين الأخضرين اللذين تحت النسر من حرة بن خالد بن معاوية بألف وخمسمائة دينار وقال دحيم عن الوليد بن ملسم حدثنا مروان ابن جناح عن أبيه قال كان في مسجد دمشق اثنا عشر ألف مرخم وقال أبو قصي عن دحيم عن الوليد بن مسلم عن عمرو بن مهاجر الأنصاري أهم حسبوا ما أنفق على الكرمة التي في قبة المسجد فإذا هو سبعون ألف دينار وقال أبو قصي انفق في مسجد دمشق أربعمائة صندوق في كل صندوق أربعة عشر ألف دينار، قلت وذلك خمسة آلاف ألف دينار وستمائة ألف دينار وفي رواية في كل صندوق ثمانية وعشرون ألف دينار.
قلت: فعلى هذا يكون المصروف في عمارة الجامع الأموي أحد عشر ألف ألف دينار ومائتي ألف دينار، والله أعلم.