قال أبو قصي وأتى الحرس إلى الوليد بن عبد الملك فقالوا يا أمير المؤمنين إن الناس يقولون أنفق الوليد أموال بيت المال في غير حقها فنودي في الناس الصلاة جامعة فصعد المنبر وقال إنه بلغني عنكم كذا وكذا ثم قال عمرو بن مهاجر قم فأحضر أموال بيت المال فحملت على البغال وبسطت على الانطباع تحت القبة وفرغ عليها المال ذهبا وفضة حتى كان الرجل لا يرى من الجانب الآخر وجيء بالقبانيين وقبنت فإذا هي تكفي الناس ثلاث سنين مستقبلة وفي رواية ستة عشر سنة مستقبلة لو لم يدخل للناس فيه شيء بالكلية ففرح الناس وكبروا وحمدوا الله عز وجل على ذلك ثم قال الخليفة يا أهل دمشق إنكم تفتخرون على الناس بأربع بهوائكم ومائكم وفاكهتكم وحماماتكم فأحببت أن أزيدكم خامسة وهي هذا الجامع فحمدوا الله وانصرفوا شاكرين وذكروا أن أرضه كانت مفصصة كلها والرخام في جدرانه إلى قامات وفوق ذلك كرمة عظيمة من ذهب وفوقها الفصوص المذهبة والخضر والحمر والزرق والبيض قد صور بها ملاط ولا يتخلل بينهما الشعر وطول الحجر منه خمسة أذرع في سمك ذراعين ويقال إن بانيها جعل لها أبوابا على أزاج مبنية بالحجارة في الأرض طول كل أزج عشرون ذراعا كل باب من حجر واحد يدور بلولب إذا طبق لم يعلم أنه باب والأزج الشرقي في ناحية الجنوب والأزج الغربي في ناحية المغرب يدخل من كل باب منها إلى سبعة بيوت كل بيت منها على اسم كوكب من الكواكب السبعة وكلها مقفلة بأقفال وحذاء كل بيت صنم من ذهب مجوف إحدى يديه على فيه وفي جبهته كتابة بالقلم المسند إذا قرئت انفتح فوه فيوجد فيه مفتاح ذلك القفل فيفتح به والقبط تزعم أنها والهرم الصغير الملون قبور فالهرم الشرقي فيه سوندير الملك والهرم الغربي فيه أخوه هوجيب والهرم الملون قبر صاب بن هرمس وإليه ينسبون على قول من زعم ذلك وهم يحجون إليها ويذبحون عندها الديكة ويزعمون أنهم يعرفون عند اضطرابها عند الذبح ما يريدون به من الأمور المغيبة ولم تزل همم الملوك قاصرة عن أن تعرف ما هذين الهرمين إلى أن ولي المأمون وورد مصر وأمر بفتح واحد منهما ففتح بعد عناء طويل وأنفق بسعادته المعينة له على تحصيل غرضه إلى أن فتح مكاناً يسلك منه إلى الغرض المطلوب وهو زلاقة ضيقة من الحجارة الصوان المانع الذي لا يعمل فيه الحديد بين حاجزين ملتصقين في الحائط قد نقرا في الزلاقة لئلا تزلق وأسفل الزلاقة بئر عظيمة بعيدة القعر ويقال إن أسفل البئر إيوانا يدخل منه إلى مواضع كثيرة وبيوت ومخادع وعجائب وانتهى بهم الطريق إلى مواضع مربع في وسطه حوض من رخام مغطى فلما أزيل عنه غطاؤه لم يوجد فيه إلا رمة بالية قد أتت عليها العصور الخالية فأمر المأمون بالكف عما سواه.
رأى بعض الفضلاء هذه الأهرام فقال كل بناء أخاف عليه من الدهر إلا هذا البناء فإني أخاف على الدهر منه.
ومما قيل فيه من الشعر قول الفقيه عمارة اليمني:
خليلي ما تحت السماء أبنية ... تماثل في إتقانها هرمي مصر
بناء يخاف الدهر منه وكلما ... على ظاهر الدنيا يخاف من الدهر
وبالقرب من الأهرام صنم على صورة وجه إنسان تسميه العامة أبو الهول لعظمه ويقال إن اسمه بالقبطية بلهونه ويقال بلهيب وتزعم القبط أنه طلسم للرمل لئلا يغلب على أرض الجزيرة وعنده أحقاف من الرمال كأنها الجبال مما يلي الطين الإبليز.