للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلت: هذه الطريقة غريبة جدا ووجه الحل فيها أن يأتي بالمرادف ثم يصحفه فيكون المقصود ومثاله في قول المقر المجدي يشكو مكر مالكه فإن مرادف يشكو يبث ومرادف مكر كيد ومرادف مالكه ربه فيصير مجموع ذلك يبث كيد ربه فإذا صحفت هذه الكلمات تجدها سكندرية وهي البلدة المعمى بها فأفهمه وأما الثانية فقوله فإنما هي طفلة كقمر فالمراد أن مرادف طفلة بنت ومرادف كقمر كبدر فيحصل من ذلك بنت كبدر ثم تضيف إلى ذلك معكوس هي وهويه فإذا صحفت جميعه وجدته سكندرية وهذا من المعمى الغريب ولم يحلها أحد من متأدبي دمشق والقاهرة غير سيدنا ومولانا أقضى القضاة بدر الدين المخزومي المالكي الشهير بابن الدماميني أعز الله أحكامه وذلك بتاريخ سنة ست وتسعين وسبعمائة وأنا بالقاهرة المحروسة.

رجعنا إلى ما كنا بصدده ومما قيل في المنارة من الشعر قول الوجيه الدوري:

وشامية الأرجاء تهدي أخا السرى ... ضياء إذا ما حندس الليل أظلما

لبست بها بردا من الأنس صافيا ... فكان بتذكار الأحبة معلما

وقد طلبتني من ذراها بقية ... ألاحظ فيها من صحابي أنجما

تخيلت أن البحر تحت غمامة ... وأني قد خيمت في كبد السما

وللقاضي الفاضل لوصفه بيت المقدس من الرخام الذي يطرد ماؤه ولا ينطرد لآلائه قد لطف الحديد في تجريعه وتفنن في توسيعه إلى أن صار الحديد الذي فيه بأس شديد كالذهب الذي فيه نعيم عتيد فما ترى إلا مقاعد كالرياض لها من بياض الترخيم رقراق وعمد كالأشجار لها من النبت أوراق.

وقال أبو عبادة البحتري يصف قصرا بناه المتوكل يسر من رأى وسماه الكامل:

غرف من ميادن فيه دنيا ... يوجب الله فيه أجر الإمام

شوقنا إلى الجنان فزدنا ... في اجتناب الذنوب والآثام

وله يصف قصرا آخر بناه المتوكل وسماه الجعفري:

قد تم حسن الجعفري ولم يكن ... ليتم إلا بالخليفة جعفر

ملك تبوأ خير دار أسست ... في خير بدو للأمام ومحضر

في خيره مشرفة حصاها لؤلؤ ... مبيضة والليل ليس بمقمر

رفعت بمنخرق الرياح وجاوزت ... ظل الغمام الصيب المستعبر

وهذان القصران من جملة قصور بناها المتوكل وهي بركوانا والعروس والبركة والجوسق والمختار والغريب والبديع والصبيح والمليح والقصر والبرج والمتوكلية والقلايا.

حكى المؤرخون أنه أنفق في بنائها مائتي ألف ألف وأربعة وسبعين ألف ألف درهم ومنها ذهب بصرف الوقت مع ما فيه من العين ثلاثة عشر ألف ألف وخمسمائة ألف وخمسة وعشرون ألف دينار وكان البرج من أحسنها وكانت فيه صور عظيمة من الذهب والفضة وبركة عظيمة غشي ظاهرها وباطنها بصفايح الفضة وجعل عليها شجرة ذهب فيها كل طائر يصوت ويصفر سماه طوبى بلغت النفقة على هذا القصر ألف ألف وستمائة ألف دينار.

<<  <   >  >>