للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الحافظ بن عساكر فيما حكاه عن كتب بعض الأوائل أنهم مكثوا يأخذون الطالع لبناء هذه الأماكن ثماني عشرة سنة وقد حفروا أساس الجدران حتى أتاهم الوقت الذي طلع فيه الكوكبان اللذان أرادوا أن المسجد لا يخرب أبدا ولا يخلو من العبادة، قال كعب الأحبار وأن هذه الدار إذا بنيت لا تخلو من أن تكون دار التملك والسلطنة قال الشيخ أما المعبد فلم يخل من العبادة قال كعب الأحبار ولا يخلو حتى تقوم الساعة والمقصود أن اليونان استمروا على هذه الصفة التي ذكرنا بدمشق مددا طويلة تزيد عن أربعة آلاف سنة حتى يقال إن أول من بنى جدران هذا الجاع الأربعة هود عليه السلام وقد كان هود قبل إبراهيم الخليل بمدة طويلة وقد ورد إبراهيم عليه السلام شمالي دمشق عند برزة وقاتل قوما من أعدائه فظفر بهم وكان مقامه لمقاتلتهم عند برزة وهذا المكان المنسوب إليه بها منصوص عليه في الكتب المتقدمة وكانت دمشق إذ ذاك عامرة آهلة بمن فيها من اليونان وهم خصماء الخليل وقد ناظرهم الخليل في غير موضع في عبادتهم الكواكب كما قررنا ذلك في التفسير وفي قصة إبراهيم الخليل عليه السلام والمقصود أن اليونان لم يزالوا يعمرون دمشق ويبنون فيها وفي معاملاتها من حوران وغيرها البنايات الغريبة العجيبة حتى كان بعد المسيح عليه السلام بمدة نحو من ثلاثمائة سنة فتنصرت أهل الشام على يد قنيطين بن قسطنطين الذي بنى المدينة المشهورة في بلاد الروم وهو الذي وضع لهم القرابين ووضعت بتاركة النصارى له دينا مخترعا مركبا من أصل دين النصرانية ممزوجا بشيء من عبدة الأوثان وصلوا إلى المشرق وزادوا في الصيام وأحلوا الخنزير وعلموا أولادهم الأمانة الكبيرة فيما يزعمون وهي في الحقيقة خيانة كبيرة وقد تكلمنا على ذلك فيما سلف وبيناه وبنى لهم هذا الملك الذي تنسب إليه الطائف الملكية منهم كنائس كثيرة بدمشق وغيرها حتى يقال إنه بنى في زمانه اثنتي عشر ألف كنيسة من ذلك كنيسة بيت نجم ومن ذلك قمامه بنتها هيلانة الفندقانية والمقصود أنهم حولوا بناء هذا المعبد الذي هو بدمشق معظما عند اليونان فجعلوه كنيسة وبنوا له المذابح في شرقية وسموها كنيسة مرتحيا ومنهم من يقول كنيسة يوحنا وبنوا بدمشق كنائس غيرها مستأنفة واستمر النصارى على دينهم هذا بدمشق وغيرها نحو ثلاثمائة سنة حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم وكان من شأنه صلى الله عليه وسلم ما ذكرنا بعضه في كتاب السيرة وقد بعث صلى الله عليه وسلم إلى ملك الروم في زمانه وهو قيصر ذلك الوقت واسمه هرقل يدعوه إلى الله عز وجل فكان من مراجعته ومخاطبته لأبي سفيان صخر بن حرب ما تقدم ثم بعث صلى الله عليه وسلم أمراءه الثلاثة: زيد بن حارثة، جعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة إلى البلقاء نحو الشام فبعث الروم إليهم جيشا كبيرا فقتلوا هؤلاء الثلاثة وجماعة ممن معهم فعزمصلى الله عليه وسلم على قتال الروم ودخول الشام عام تبوك ثم رجع صلى الله عليه وسلم عامه ذلك لشدة الحر.

ابن سناء الملك من قصيدة صلاحية:

كل القلاع تروم السحب في صعد ... إلا العواصم تبغي السحب في صبب

لو رامها النجم لم يظفر ببغيته ... ولو رماها بقوس الأفق لم يصب

ملقى إذا عطشت والبرق أرسية ... كواكب الدلو في بئر من السحب

جليسة النجم في أعلا مراتبه ... وطالما غاب عنها وهي لم تغب

شهاب الدين بن حجر:

أهوى الجلوس بمقعد الصدق الذي ... فرشت به بسط الزهور وزخرفا

حفت به أيدي السعود وأبصرت ... عيني به طير المسرة رفرفا

ذكر أبو عبد الله بكر بن عياش كاتب المنصور أبي يوسف يعقوب قال كان لأبي بكر محمد بن مجير وفادة على المنصور في كل سنة فصادف المنصور في إحدى وفاداته فراغه من أحداث المقصورة التي كان أحداثها بجامعه المتصل بقصره في حضرة مراكش وكانت قد وضعت على حركات هندسية ترفع لخروجه وتخفض لدخوله وكان جميع من بباب المنصور يومئذ من الشعراء والأدباء قد نظموا أشعار أنشدوها إياه في ذلك فلم يزيدوا على شكره وتجرئته الخير فيما جدد من معالم الدين وآثاره ولم يكن فيهم من تصدى إلى وصف الحال حتى قام أبو بكر بن مجير فأنشد قصيدته التي أولها:

أعلمتني ألقي عصا السيار ... في بلدة ليست بدار قرار

<<  <   >  >>