للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رجع: وشرها الأفاعي ومسكنها الرمال والجبال ويضرب المثل بها بأفاعي سجستان ومن التهويل في أمرها ما حكاه ابن شرمة أن أفعى منها نهشت غلاماً في رجله فانصدعت جبهته ويحكى أن شبيب بن شبة دخل على المنصور فقال يا شبيب أدخلت سجستان فإنه بلغني أنها محواة أي كثيرة الحيات قال نعم يا أمير المؤمنين قد دخلتها قال فصف لي أفاعيها فقال هي دقاق الأعناق صغار الأذناب مفلطحة الرءوس رقش برش كأنما كيسن أعلام الحبرات كبارهن حتوف وصغارهن سيوف قال أرسطو وليست الفعى من الحيوان الذي يلد حيواناً مثله وإن خرج من بطنها أولاد وإنما ذلك لتكسر البيض فتلويها وتجمعها في بطنها فيتوهم من رأى ذلك أنها تلد وليس الأمر كذلك ومن الأفاعي ما يتسافد بأفواهها فإذا أعطى الذكر والأنثى وقع كالمغشى عليه فتعمد الأنثى إلى موضع مذاكيره فتقطعها نهشاً فيموت من ساعته فإذا بلغ بعضها لم يكن له مخرج لضيق مكان الولادة فيبقى في بطنها حتى يخرج فيشقه ويخرجن وتموت الأم من ساعتها فيكون طلبها للولد هلاكها وذكرها يسمى الأفعوان يأتيها أيام الصراف فيصوت بها فتأتيه وبعض الحيات مستطيل أكدر اللون وأخضر وأسود، ابيض وأرقط وفي بعضها نمش وتخرج كل بيضة ثعبان على لونها ولم يعرف أسباب في اختلاف ذلك وأما داخله فشيء أسمخ من الصديد وأقذر وهو في جوفها منضد طولاً على خط واحد وليس للحيات سفاد معروف تنتهي إلى عمله وليس عند الناس في ذلك إلا الذي ترون من ملاقات الحيات والتواكل واحدة منهما على صاحبه حتى كأنهما لوح خيزران مفلوذ والحية مشقوقة اللسان ولذلك يظن بعض الناس أن لها لسانين وهي واسعة النحر ولها خطم وكذلك يفعل نابها ولو كان لرأس الحية عظم لكان أشد لعضها ولكن جلداً يطبق على عظمين مستطيلين وتوصف بالنهم والشره لأنها تبتلع الفراخ من غير مضغ كما يفعل الأسد ومن شأنها أنها متى ابتلعت شيئاً فيه عظم أتت شجرة أو حجراً شاخصاً فتنطوي عليه انطواء شديداً فتحطم ذلك العظم حتى تصيره رفاتا ومن عادتها إذا نهشت انقلبت فيتوهم أنها فعلت ذلك لتفرغ سمها وليس الأمر كذلك وإنما في نابها عضل فإذا عضت استغرق إدخال الناب كله وهو أحجن يشبه بالبيض فإذا انقلبت كان أسهل لخروجه وأسلس لنزعه وفي طبعها أنها إذا لم تجد طعماً تعيش بالنسيم وتقتات به الزمن الطويل وتبلغ الجهد من الجوع ولا تأكل الشيء الحي وربما بقيت أربعة أشهر في الشتاء صابرة على الجوع لا تغتدي بشيء البتة وهي إذا هرمت استقرت في بيتها وأقنعها النسيم ولم تشته الطعام ومن عجيب أمرها أنها لا تطلب الماء ولا تريده لغلبة الأرضية عليها ولهذا تصبر عن الغذاء المدة الطويلة لأن حرارتها لا تسرع بتحليل مادتها لقلة الحرارة وغلظ المادة وهي لا تضبط نفسها على الشراب إذا شمته لما في طبعها من الشوق إليه فهي إذا وجدته شربت منه حتى تسكر وربما كان السكر سبب حتفها لأنها إذا سكرت خدرت والذكر من الحيات لايقيم في الموضع الواحد وربما تقيم الأنثى على بيضها بقدر ما تخرج فراخها وتقوى على المكسب ثم تخرج سائرة فمتى وجدت جحراً دخلته واثقة بأن ذلك الساكن فيه بين أمرين إما أن يقيم فيصير طعاماً لها وإنما أن يهرب فيصير الجحر لها ولهذا يضرب المثل بها في الظلم فيقال أظلم من الحية وعين الحية لا تدور في رأسها وكذلك عين الجراد كأنها مسمار مضروب وعينها ما تنطبق وإن قلكعت عادت وكذلك نابها إن قلع عاد بعد ثلاثة أيام وكذلك ذنبها إن قطع عاد وفي طبعها أنها تهرب من الرجل العريان وتفرح بالنار وتطلبها وتعجب بها وباللبن ومتى ضربت بالقصب الفارسي ماتت وإن ضربت بسوط قد مسه عرق الخيل ماتت وهي طويلة الذماء والذماء بطؤ خروج الروح بعد القتل وذلك أنها تذبح حتى تفري أوداجها فتبقى أياماً لا تموت ويقال أنها لا تموت حتف أنفها إلا أن تقتل أو تصاد وتبقى في جؤن الحوائين تدلكها الأيدي وتكره على الطعم في غير أرضها إلى أن تموت أو تحملها السيول في الشتاء والزمهرير فتموت إذا ضررت والحية تسلخ في كل عام قشرا عن جلدها في أول الربيع والخريف وتبتدئ بالسلخ من عيونها ثم رأسها ويتم سلخها في يوم وليلة وإذا هرمت وعجزت عن سلخه أدخلت نفسها بين عودين أو في صدغ ضيق حتى يتسلخ تأتي إلى عين ماء فتنغمس فيه فيشتد بذلك لحمها ويعود إلى قوته وشدته وليس في الأرض شيء مثل جسم الحية إلا والحية

<<  <   >  >>