للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أقوى منه بدناً أضعافاً ومن قوتها أنها إذا دخلت صدرها في حجر أو صدع لم يستطع أقوى الناس وقد قبض على ذنبها بكلتي يديه أن يخرجها لشدة اعتمادها وتعاون أجزائها وليست بذات قوائم لها أظفار ومخالب أو أظلاف تتشبث بها وتعتمد عليها وربما انقطعت في يد الجاذب لها وإنما لشدة فقر ظهرها فإن لها ثلاثين ضلعاً وذلك مشاهد في صعودها وسعيها خلف الرجل الشديد الحصر وعند هربها منه وهي برية وتعيش في البر بعد أن يطول مكثها في الماء وصارت مائية وأصنافها كثيرة جداً وهذا القدر كاف في وصفها.

القول على طبائع الفأر: يقولون جميع ما يقع عليه اسم الفأر فأر وهي أنواع: فأر البيت والربات والخلد واليربوع وفأرة البيش وفأرة المسك، فأما فأرة البيت فصنفان: جرذان وفأر وهما كالجوميس والبقر والبخت والغراب والفأر من الحيوان الذي جمع حاستى الشم والبصر وليس في الحيوان أفسد منه، ليس يبقى على شيء جليل ولا حقير إلا أهلكه وأتلفه ولا يقصر فعله عما فعلته ريح عاد ويكفيه ما يحكي عن سد مأرب ومن تدبيره في الشيء يأكله يحسوه وهو أنه يأتي القارورة الضيقة الرأس فيحتال حتى يدخل طرف ذنبه في عنقها وكلما ابتل بالدهن أخرجه وامتصه حتى لايدع في القارورة شيئاً ولقد حكى أن رجلاً كان عنده جرة زيت فغاب عنها مدة ثم افتقدها فوجدها مملوءة حجارة وليس فيها من الزيت شيء فأدار فكره في ذلك إلى أن الفيران كشفوها وشربوا وشربوا منها إلى أن لم يبق أن تصل أفواهها إلى الشراب فدلت أذنابها حتى لم تصل إلى الزيت فألقوا الحجارة شيئاً لبعد شيء فكان الحجر إذا وقع في الحق طفا الزيت حتى فني ولقد أراني بعض الأصحاب ظرفاً من زجاج كان فيه فستق مقشور قد نقبنه وأكلن ما فيه وكل البزور تأكل قلوبها وتترك قشورها وما أعجب منة شيء كعجبي من نوى الخرنوب التي لا تقدر الأضراس على كسره وهي تنقبه وتأكل قلبه وكذلك تفعل بالقرطم مع ملاسته، وفي طبعه النسيان فربما صيد مرات فيفلت ويعود وبه يضرب المثل في السرقة والنسيان والحذر ويبلغ الفأر من تحرزه واحتياطه أن يسكن السقوف فربما فاجأه السنور وهو يريد أن يعبر إلى بيته والسنور في الأرض وهو في السقف ولو شاء أن يدخل بيته لم يكن للسنور عليه سبيل ويشير إليه السنور في الأرض بيساره كالقائل له ارجع فإذا رجع أومى إليه بيمينه كالقائل له عد فيعود وإنما يطلب بذلك أن يعيي أو يزلق ولا يفعل به ذلك ثلاثة مرات إلا ليسقط فيثب عليه.

وحكى الجاحظ أن ناساً أنكروا أن يخلق الفأر في أرحام إناثها من أصلاب ذكورها ولكن من بعض الأرض كطينة الفاطول فإن أهلها يزعمون أنهم رأوا الفأر لم يتم خلقه بعد وأن عينيه فصان ثم ينتئان حتى يتم خلقها وتشد حركتها، ذكر الجاحظ ذلك على طريق الاستبعاد، قال صاحب المنهاج وإنما رأيت ذلك عياناً اتفق أني سافرت من الفيوم فمررت بقرية تسمى صفط وإذا بفيران قد خرجوا من شقوق الأرض كجراد منتشر كل واحد منها نصفه حيوان ونصفه الآخر طين لم تكمل خلقته وكذلك يتولد بمصر إذا انكشف ماء النيل عنها.

القول في طبائع العقرب: وهذا الحيوان أصناف منه الجرارة والطيارة وما له ذنب كالحربة وماله ذنب معقوف وفيها السود والخضر والحمر والصفر والكمد وما له لون الرماد وما لونه لون اللهب وما له حمتان وأصحاب الكلام في طبائع الحيوان يقولون العقرب مائية الطبائع ومن ذوات الذر وكثرة الولد تشبه السمك والضب وعامة هذا النوع إذا حملت الأنثى منه يكون حتفها في ولادتها لأن أولادها إذا استوى خلقها أكلت بطنها وخرجت فتموت والجاحظ لا يعجبه هذا القول ويقول أخبرني من أثق به انه رأى العقرب تلد من فيها مرتين وتحمل أولادها على ظهرها وهي قدر القمل كثير العدو والعقرب شر ما يكون إذا كانت حبلى ولها ثمانية أرجل ولها أظلاف مثل أظلاف الثور عيناها في ظهرها وهي من الحيوانات التي لا تسبح ومن عجيب أمرها أنها لا تلسع الميت ولا المغشى عليه ولا القائم إلا أن يتحرك شيء من بدنه فإنها عند ذلك تضربه وضربها له إنما هو خوفاً فهي تدفع بنفسها بضربها وهي تأوي إلى الخنافس وتسالمها وتصادق من الحيات كل اسود سالخ وربما لسعت الأفعى فتموت وفيها من يلسع بعضه بعضاً فيموت الملسوع ومن شانها إذا لسعت الإنسان فرت فرار ممئ يخاف العقاب.

<<  <   >  >>