للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال فضحك حتى بدت نواجده ثم قال أتدري من يقول هذا قلت لا قال حسان بن ثابت شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أشار إلى الجواري اللاتي عن يساره فقال لهن أبكيننا فاندفعن يغنين يخفقن عيدانهن ويقلن:

لمن الدار أقفرت بعمان ... بين أهل اليرموك فالجمان

ذاك مغنى لآل جفنة في الدهر ... مجلى لحادث الأزمان

قال فبكى حتى سالت دموعه على لحيته فقال أتدري من يقول هذا قلت لا قال حسان ثم أنشد الأبيات التي أولها تنصرت الأشراف ثم سألني عن حسان أحى هو قلت نعم فأمر له بكسوة ولي أيضاً كذلك وأمر بمال لحسان ونوق موقرة ثم قال لي إن وجدته حيا فادفع الهدية إليه وأقرئه عني السلام وإن وجدته ميتا فادفعها إلى أهله وانحر النوق على قبره فلما أخبرت عمر بخبره وما اشترط علي وما ضمنت له قال فهلا ضمنت له الأمر فإذا أفاء الله به قضى الله علينا بحكمه ثم جهزني عمر إلى هرقل ثانياً وأمرني أن أضمن له ما اشترط فلما دخلت القسطنطينية وجدت الناس منصرفين من جنازته قلت إن الشقاء سبق عليه في أم الكتاب.

وذكر الحكيم موفق الدين بن أبي أصيبعة في ترجمة الحكيم سديد الدين بن رقيعة قال ومن شعره وهو مما كتبه على كأس في وسطه طائر على قبة مجوفة إذا قلب الماء في الكأس دار الطائر دورانا سريعا وصفر صفيرا ومن وقف بإزائه الطائر حكم عليه بالشرب فإذا شربه وترك فيه شيئا من الشراب صفر الطائر وكذلك لو شربه في مائة مرة فمتى شرب جميع ما فيه ولم يبق فيه درهم فإن صفيره ينقطع والأبيات هي هذه:

أنا طائر في هيئة الزرزوري ... مستحسن التكوين والتصوير

فاشرب على نغمي سلاف مدامة ... صرفا تنير حنادس الديجور

صفراء تلمع في الكئوس كأنها ... نار الكليم بدت بأعلى الطور

وإذا تخلف في شرابك درهم ... في الكأس نم به عليه صفيري

قلت: كتبت هذه الأبيات لغرابة هذا الكأس وأما الشعر فإنه ليس بطائل.

قال الثعالبي في تحفة الأرواح وموائد السرور والأفراح إنه كان في الزمن القديم امرأة في العراق تعمد إلى الصيني الأبيض فتصير منه الشمشي والأسود والسماقي والأخضر حتى لا يشك ناظر في أنه كان كذلك في الأصل وما علم أحد من الرجال سواها في ذلك وأهل الخبرة بهذا النوع إذا وقع في أيديهم شيء من عمل هذه المرأة عرفوه (القول في الكأس المصور) قال أبو نواس:

ودار ندامى عطلوها وأدلجوا ... بها أثر منهم جديد ودارس

مساحب من خز الرقاق على الثرى ... وإضعاث ريحان جنى ويابس

تدار علينا الراح في عسجدية ... حبتها بأنواع التصاوير فارس

فنال بها كسرى وفي جنباتها ... مها قد رمتها بالقسى الفوارس

فللراح ما زرت عليها جيوبها ... وللماء ما دارت عليه القلانس

قال الجاحظ وجدنا المعاني تقلب ويؤخذ بعضها من بعض إلا هذا المعنى فإن الحسين ابتدعه.

قلت: وضمن هذه الأبيات الأديب أبو الحسين الجزار تضمنا حسنا أجاد فيه إلى الغاية وهو:

كتبت بها في يوم لهو وهامتي ... تمارس من أهواله ما يمارس

وعندي صحاب للمجون ترحلت ... عمائمهم عن هامهم والطيالس

فللماء ما زرت عليه جيوبهم ... وللراح ما دارت عليه القلانس

مساحب من خز الرقاق على القفا ... وإضغاث انطاع جنى ويابس

وقال أيضاً:

بنينا على كسرى سماء مدامة ... مكللة حافاتها بنجوم

فلو رد في كسرى ابن ساسان روحه ... إذا لاصطفاني دون كل نديم

أخذه الباشى فقال:

في كأسها صور تظن لحسنها ... عربا برزن من الحجال وغيدا

وإذا المزاج أثارها فتقسمت ... ذهبا ودرّا توأما وفريدا

فكأنهن لبسن ذاك محاسدا ... وجعلن ذا لنحورهن عقودا

وقال ابن المعتز:

وساق يجعل المنديل منه ... مكان حمائل السيف الطوال

غلالة خده صبغت بورد ... ونون الصدغ معجمة بخال

بدا والصبح تحت الليل باد ... كطرف أبلق ملقى الجلال

بكأس من زجاج فيه أسد ... فرائسهن ألباب الرجال

وقال ابن قلاقس (ومولده سنة اثنتين وخمسمائة، ووفاته سنة سبع وستين وخمسمائة) :

دارت زجاجتها وفي جنباتها ... كسرى أنوشروان في إيوانه

<<  <   >  >>