للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

القول الثاني: أن [من] بمعنى [عن]، أي: يحفظونه عن أمر الله، والقولان متقاربان معنى، ومؤداهما واحد كما قال القرطبي: (يحفظونه من أمر الله أي: بأمر الله وبإذنه فـ[من] بمعنى [الباء] وحروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض، وقيل: [من] بمعنى [عن] أي: يحفظونه عن أمر الله، وهذا قريب من الأول، أي: حفظهم عن أمر الله لا من عند أنفسهم، وهذا قول الحسن، تقول: كسوته عن عري، ومن عري، ومنه قوله عز وجل: {أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ} [قريش:٤] أي: عن جوع) (١).

القول الثالث: أن [من] باقية على بابها، والمعنى: يحفظونه من أمر الله.

وهذا مروي عن ابن عباس ومجاهد حيث قالا: (الملائكة من أمر الله) (٢).

والذي يظهر لي أن المعاني كلها متقاربة؛ لأن هذا المعنى أيضاً لا يخرج عما قبله، فالملائكة (٣) يحفظونه بأمر الله أو من أمر الله حتى يأتي أمر الله، أما من ناحية اللفظ فبقاء الحرف على بابه هو الأولى.

وكل حرف من حروف الصفات له عدة معاني، وتؤدي بعض الحروف معنى الآخر، دون إخلال بالمعنى، والنصوص دالة على صحة هذا الاستعمال:

فـ[من] تأتي بمعنى [الباء]، كما في قوله تعالى: {يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} [الشورى:٤٥]، أي: بطرف خفي.

وتأتي بمعنى [عن]، كما في قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر:٢٢]، أي: عن ذكر الله (٤).


(١) الجامع لأحكام القرآن ٩/ ٢٩٢، وينظر: رصف المباني ص ٣٨٩.
(٢) ينظر: جامع البيان ١٣/ ٤٦٤.
(٣) وهذا على الراجح من تفسير المعقبات للأدلة الصحيحة، ينظر: معاني القرآن للنحاس ٣/ ٤٧٩.
(٤) ينظر: العدة ١/ ٢١١، مغني اللبيب ص ٣١٥، الجنى الداني ص ٣١١، ٣١٤، شرح الكوكب المنير ١/ ٢٤٣، من أسرار حروف الجر في الذكر الحكيم ص ٣٤٨ وما بعدها.

<<  <   >  >>